سطوع نجم القضية الشركسية على الساحة الدولية

سطوع نجم القضية الشركسية على الساحة الدولية

تقديم: عادل بشقوي

ورشة العمل الثالثة / الحراك السياسي الشركسي الأردني

تاريخ: 24 مارس/آذار 2013

إن الوعي وتحديد ماهية الأحداث والوقائع وحجم المصائب والكوارث، والتعامل مع المحن والشدائد يجسد النموذج الإنساني الأمثل الذي يرسخ الحاجة والرغبة الى ايجاد سبل حفظ الذات القومية بوسائل حضارية والتغلب على الصّعاب والأزمات، من أجل الوصول إلى تحقيق الأماني والأهداف.

لن يكون التركيز بداية على الجزء التاريخي من القضيّة الشّركسيّة الذي وإن عرفناه واستوعبنا دروسه القاسية، فلن يثنينا عن البحث عن مقتضيات الحاضر وآفاق المستقبل سواءاً من حيث الإنعتاق من التبعية للغير أو الإنقياد لهواجس وسياسات القبول بالأمر الواقع وما يترتب عليه من مجاراة لأساليب التمويه والترويع من أجل عدم التفكير بالمطالبة لاسترجاع الحقوق المشروعة والثابتة والتي لن تسقط بالتقادم.

كاد العالم ان يشهد أفول نجم شركيسيا تماماً، لو أن هذه الأمّة الحيّة التي تعصى على الهوان والذل والخنوع  قبلت فتات ما أعطي لها من الخيارات، والتي يمكن وصف أفضلها بوصف “أحلاهما مرّ” أو بين نارين أو بين شقّيّ حجر الرّحى، ولن يبالغ المرء إن وصف ما يحصل اليوم من نهضة وطنية معتبرة واستيقاظ قومي بأن لم يسبق له مثيل في عشرات السنين التي خلت، والتي تلت انتهاء الحرب الروسيّة/الشّركسيّة، التي يشارك بها الشراكسة من الوطن في شمال القوقاز وأشقاءهم الذين يتواجدون في ديار الشتات والإغتراب، وتشمل العديد من المواضيع التي من أهمها حصراً عودة الشركس إلى وطنهم الأم، والتي تركزت تحديداً على موضوع عودة شراكسة سوريا إلى وطنهم التاريخي نتيجة للحرب الأهلية الطاحنة التي تدور رحاها الآن في أرجاء سوريا منذ سنتين، ولا يوجد ما يوحي بان هذه الحرب ستنتهي في المستقبل المنظور أو أن حدّتها ستخف، إلا أن الأهم من ذلك كله أن يتضح للقاصي والداني حقيقية الموقف الروسي من مجمل القضايا الملحة وعدم استعداد الجانب الروسي التحرك الإيجابي قيد أنملة، نحو الذين يتعرضون لخطر القتل والإبادة مرة أخرى!

لقد وصل الإجحاف بحقوق الأمة الشّركسيّة من جانب الدولة الروسية حداً سيظل ماثلا للعيان، والذي أذهل الكثيرين من الّذين أحسنوا الظن خلال السنوات الماضية بنوايا السلطات الروسية تجاه الشركس، لا سيما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وبزوغ ما يشبه الفجر الجديد من خلال تحديث القوانين والدستور الروسي التي نصت ولا تزال تنص صراحة بأن حقوق الشعوب الأصيلة أو الأصليّة مصانة، وتبين لهم الحقيقة الواضحة أمامهم وهو أن روسيا الإتحادية الحاليّة تطلب ود الشركس وتود تنمية وتمتين روابط الصداقة الوهمية والتعاون الإسمي معهم طالما بقوا بعيدا قلبا وقالبا عن الوطن التاريخي وهمومه.  وفي السؤال القديم الجديد: لماذا تأخر الوصول لمعرفة هذه الحقيقة الدامغة رغم أن التجارب المريرة السابقة مع الأجداد لا زالت ماثلة للعيان ولا يختلف عليها إثنان، لكن يأتي الإستيقاظ بعد سبات طويل وعميق؟

لا شك بأن المزيد من الناس في هذا العالم أصبحوا يدركون بأن الأمة الشركسيّة قد احتُلَّ وطنها ونُفِّذ بحق شعبها صنوف القتل والإجرام والإبادة، وطُرد وأُبعد الباقي إلا من استطاع الفرار إلى الجبال أو الإنتقال إلى أماكن آمنة أخرى، وأن 90% من أفراد الأمة الشركسيّة اليوم يقيمون خارج الوطن في ديار الشتات والإغتراب، وهناك 10% فقط يقيمون في الوطن الشركسي الواقع في شمال القوقاز، لكن موزعين في ثلاث جمهوريات وصفت بانها ذات حكم ذاتي وهي قباردينو – بلكاريا وكاراشاي – شركس وأديغيه، بالإضافة إلى ثلاث مناطق اخرى تقع ضمن مقاطعة كراسنودار، وهذه الست مناطق ليست جميعها متجاورة جغرافيا مما يحد من تطلع الشراكسة هناك للوحدة والإتحاد والاجتماع في مكان واحد.

التحديات الحالية

 

ومن أبرز التحديات التي تواجه واقع الهموم الوطنية والانسانيّة الشركسية بالإضافة لوضع شراكسة سوريا، إقامة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي في العام القادم 2014 لما لهذا الحدث الهام من تاثيرات سلبية وايجابية مباشرة وغير مباشرة على القضية الشركسية ماضيا ومستقبلا وعلى روسيا نفسها، وما لهذه الألعاب من تأثيرات تعتبرها الحكومة الروسيّة الحدث الأهم في روسيا في العصر الحديث وفرصة سانحة لحذف الماضي بكل أهواله وتداعياته ولتلميع صورة روسيا وابرازها بقالب زائف أمام العالم المتحضر وكذلك في محاولة لتغيير الوقائع على أرض الواقع، مهما غلا الثمن، حيث قال رئيس المعارضة الرّوسيّة غاري كاسباروف (Gari Kasparov) بأن ألعاب سوتشي الاولمبية ستكون “كارثة” لبوتين. إن دورة الألعاب الأولمبيّة الشتويّة في سوتشي هي الأعلى تكلفة في التاريخ وتربو تكلفة انجازها على 50 مليار دولار، حيث أن ضخامة الأموال التي ضخّت من أجل إقامة هذا الحدث الأولمبي على أرض الإبادة الجماعية الشركسية تجعل المشروع غير مجدي إقتصادياً، لأنّه يجب أن يتكافأ المبلغ المستثمر مع العائدات المرجوّة.

المناطق المجاورة لسوتشي لن تستفيد حسبما يدّعي المسؤولون الروس في موسكو. لا أبخازيا ولا الجمهوريات القفقاسية ولا المناطق المجاورة الأخرى سوف تستفيد من الألعاب.

في هذا المقام، تذكر سلسلة من اللقاءات التي وكأنها رتّبت ضمن حملة مركّزة وموجّهة للدعاية الروسيّة أجرتها وبثتها قناة “روسيا اليوم” الفضائيّة مع السيد محي الدّين قندور خلال الصيف الماضي، حيث قامت القناة الروسية بنشر معلومات تخص أمور وصفت بأنها تتعلق بالقضيّة الشّركسيّة من خلال مقابلات متتالية، لكن للأسف بدت المعلومات وكأنها تستهدف إحداث شرخ في الجسد والتماسك القومي الشركسي من خلال ذكر أوصاف ومعلومات غير صحيحة أو بالأحرى غير دقيقة وتنقصها المصداقيّة، وتم الرد عليها من قبل المهتمين بشكل منهجي ومتسلسل دحضاً لما ذكر من تضليل. هل مسْح وإلغاء شركيسيا من خارطة القوقاز وبالتالي من خارطة العالم يدخل في هذا المفهوم أيضا؟ أي هجرة الوطن كاملا متكاملا إلى الخارج “خارج الواقع”؟ لكن وحسب تقرير السيد قندور بأن القباردي لم يحاربوا الروس أو أن الروس لم يحاربو القباردي من حيث محاولة التركيز على واقع القباردي حيث أسماهم “الشركس الشرقيين” الذين اعتبرهم يختلفون اختلافا كبيرا عن باقي القبائل الشركسية والتي أسماها “الشركس الغربيين”!

إن المعلومات التي تمكن السيد قندور من قولها على قناة “روسيا اليوم” جاءت بشكل غير متوازن وغير متوافق مع الواقع إذا ما قورنت بمعلومات موثّقة جاءت في الارشيفات الروسيّة وكذلك في مراجع محترمة لا يشوبها أدنى شك من المصداقية ومطابقة للوقائع التاريخية كالمراجع المعروفة جيداً في الأوساط الآكاديميّة مثل الموسوعة التاريخيّة للأمّة الشّركسيّة “الأديغه” لمحمّد خير مامسر، ودليل الشركس لأمجد جموخة، والشركس منذ فجر التاريخ لأمين سمكوغ، و”النارت ساغا” لجون كولاروسو، والقضية الشركسية لقادر ناتخو، والتاريخ الشركسي لمحمد أزوقة، وشمال غرب القوقاز لوولتر ريشموند، وكذلك “دع شهرتنا تكون عظيمة” لأوليفر بولو، وغيرها من الكتب والمؤلفات التي تحظى بالإحترام والتقدير.

 

عطفا على الموقف الرّسمي الرّوسي الذي لا يحسدون عليه والقاضي بالتوفيق بين ارتباط الموقف الرسمي الروسي بالإعتراف باستقلال أبخازيا واوسيتيا الجنوبيّة عن جورجيا وبين العلاقات الوثيقة مع الحكومة الجورجية الحاليّة التي انبثقت عن نتائج الإنتخابات الجورجية الأخيرة، قام مؤخّراً وفد جورجي بزيارة إلى الفيدراليّة الروسيّة وقام بعض أفراد الوفد بزيارة إلى شمال القوقاز وتحديداً نالتشيك، عاصمة جمهورية قباردينو – بلكاريا، وذكر بأن الغرض من الزيارة هو بناء الجسور بين شعوب القوقاز وما وراء القوقاز، وخلال زيارتهم لجامعة قباردينو – بلكاريا، أبدى طلاب الجامعة (حسب الخبر المنشور على موقع صوت شركيسيا) رأيهم بأنهم لا يريدون أن تقوم “القيادة الجورجية الجديدة بإلغاء قرار البرلمانيين الجورجيين الإعتراف بالإبادة الجماعية الشّركسيّة” وقالوا “بالنسبة لنا، هذه مسألة مهمة جدا”. ونقل المقال بأن البروفيسور كاسبولات جميخوف اشتكى من ان “موسكو قد ردت بعصبية تجاه القضية الشركسية متظاهرة بأنها غير قائمة، وبعض الخبراء يجادلون بأن القضية اثيرت امس وانها شيئ مستحدث ويأتي قبل الألعاب الأولمبية فى سوتشى. لا احد مهتم بتجاوزات الأمس خلال موعد الألعاب الأولمبية. وقد تحدثت المنظمات الشركسيّة عن ذلك. وأضاف “لكن المشاكل مع القضية الشركسية لها تاريخ طويل، ولا أحد يتحدث عن التقييم الأخلاقي والسياسي للأحداث المتعلقة بالحرب القوقازية”. إنّه من المخجل وغير الأخلاقي رؤية هوت سوخروكوف (Hout Sohrokov) الذي “من المفترض” أن يكون شركسياً وفي نفس الوقت يتولى موقع رئيس الجمعية الشركسيّة العالميّة، يقول إن الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية هو استفزازاً “للغزاة” على حد وصف المسؤولين الروس لصفة وجودهم في شمال القوقاز. لكن العامل المشترك في ذلك كله هو كيفية تخلص الدولة الروسية من هاجس الإعتراف الجورجي بالإبادة الجماعية الشركسية وما قد يترتب عليه من تداعيات.

إن عدم تصرف القيادة الروسية مع القاعدة المنطقية “درء المفاسد أولى من جلب المنافع”، ناهيك عن التغاضي عن حقيقة الفساد والفوضى وسوء الإدارة وتبذير الأموال، تذكر بأن 49 موقعاً تحت الإنشاء وراء الجدول الزمني، وذُكر بأنه من المرجح أن تكون فقط ثلث المرافق الأولمبية جاهزة تماما في الوقت المحدد، وأن بعض الأبنية الأولمبيّة ليست متصلة بشبكة المجاري وقيام المنظّمون لسوتشي ضمن انهماكهم لاستكمال العمل، بإخفاء النفايات بدلا من التخلص منها، ووجود حملة للتخلص من الحيوانات المنتشرة من خلال السموم التي قد تطال الأطفال!

تقول وسائل الإعلام في موسكو للقراء والمشاهدين إن ما ينفق على ألعاب سوتشي، سيمكن الروس من بناء مرافق رياضية لجميع المواطنين الروس ويمكن إنشاء 31 مليون متر مربع من الأبنية السكنية، الأمر الذي من شأنه أن يُمَكِّن مليون ونصف من المواطنين الروس من الحصول على بيوت جديدة تماما، وهناك تكلفة إنشاء طريق في سوتشي قد بلغت ثلاثة أضعاف ما تنفقه ناسا (NASA) لإرسال مسبار فضائي إلى المريخ.

هناك المزيد من الناس يتساءلون لماذا تصر موسكو على عقد دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في منطقة شبه مدارية؟ وقد تم مؤخّرا ألغاء بعض السباقات التي كان مقررا إجرائها على الجليد في موقع أولمبياد سوتشي وذلك بسبب الطقس الحار يوم الجمعة الموافق 15 فبراير/شباط 2013.

ويمكن ذكر عوامل متداخلة ستؤثر سلبا على وضع منطقة سوتشي في الحاضر والمستقبل، وترتبط مباشرة بالهموم الوطنية والانسانيّة الشركسية وصلتها بحقوق وكرامة الشعوب الأصلية أو الأصيلة سواء على صعيد الدّولة أو العالم. وذلك يتضمن:

* أهمية كَوْن سوتشي آخر عاصمة لشركيسيا عندما تم احتلالها بالكامل في 21 مايو/أيار 1864، ومحاولات السلطات الرّوسيّة تغيير معالمها تغييراً جذرياً.

* إضافةً إلى القبور الجماعية، ومقابر الذين قاوموا الغزاة دفاعاً عن وطنهم وخاصة في موقع كراسنايا بوليانا (التلة الحمراء)، والّذي تم تطويره ليصبح منتجعاً سياحياً أولمبياً للتزلج!

*إنتهاك السلطات الروسية للتراث العالمي وللمواقع والغابات المحمية من قبل اليونسكو، والّتي تم الإبلاغ عنها من قبل مجموعات الحفاظ على البيئة واشتكت بأن “روسيا تسمح بإقامة منتجع للتزلج في موقع التراث العالمي في القوقاز“، وتسلّط الاضواء على: خطط السلطات الروسية “للسماح ببناء مجموعة من منتجعات التزلج والطرق في منطقة القوقاز الّذي من شأنه أن يغيّر واحدةً من المناطق البرّية القليلة في أوروبا التي لم تمس بعد. ومن المتوقع أن يؤثر التطوير على المحيط الحيوي لمحميتين طبيعيّتين، واثنين من المتنزهات الوطنية، ومحميات للحياة البرية وموقع للتراث العالمي”.

* خطورة الضرر البيئي لذي ينتج عن المواد السّامّة والنفايات الكيميائية الصناعية الناشئة عن الأعمال الإنشائية للمرافق الأولمبية والطرق والخدمات المرتبطة بها، وبشكل لا يمكن إصلاحه في هكذا جمال طبيعي خلاب وفريد ورائع في سوتشي ومحيطها. وأشار كل الناشطين في مجال البيئة  (Environmental activists) والسلام الأخضر / روسيا (Greenpeace Russia) إلى مخاوف من أن هناك زيادة خطيرة في تركيز العناصر السامة عالية الخطورة مثل الزرنيخ، والفينول، وعدد من المشتقات النفطية. ويقول خبراء البيئة أن  “مستويات التلوث قد ارتفعت بشكل ملموس حول سوتشي منذ تم اختيار المدينة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشّتوية في عام 2014″.

* هناك موقع روسي باسم حركة المجتمع “تضامن“ يشن حملة على الإنترنت طالباً مقاطعة الألعاب المقررة في سوتشي، لأسباب أخلاقية وبيئيّة.

* هناك نشرة أسبوعيّة خاصة باسم “نافذة على أوراسيا” بدأ يصدرها كل يوم جمعة المحلل السياسي ناشط حقوق الإنسان  وخبير شؤون روسيا والإتحاد السوفياتي السابق بول غوبل في 15 فبراير/شباط الماضي، حول معنى وتأثير الألعاب الأولمبيّة على دول المنطقة المحيطة بسوتشي وشمال القوقاز. ودعى أي شخص لديه معرفة خاصة أو معلومات عن هذا الموضوع أن يرسل له هذه المعلومات أو المراجع على بريده الالكتروني.

الناشطين الشركس والتركيز على الأمور الجوهرية

 

كما يمثل تاريخ 21  مايو/أيار من عام 1864 كل ما يُذكّر بالوطن التاريخي للأمة الشركسيّة وما حصل من تداعيات للحرب الهمجيّة التي شنتها الإمبراطوريّة القيصريّة الروسيّة لاحتلال شركيسيا واقتراف جرائم الإبادة الجماعية الشركسية والتطهير العرقي والترحيل القسري لتسعين في المئة من الذين بقوا على قيد الحياة، بعد 101 عاما من الحرب المدمرة التي شنت على شركيسيا وبقائها ككيان للأمة الشركسية في ظل ظروف قاسية، وتحديات صعبة.

ومع تعزيز وتقوية الإرتباط بالهموم الشركسية والتقدير للأجداد الشّجعان الذين ضحوا بكل غالٍ ونفيس، فقد برز التصميم بأن استرداد حقوق الأمة الشركسية المشروعة له ما يبرره في نظر القوانين والأعراف الدولية ويعتبر ذلك مشروع وملزِم ولا يسقط بالتقادم، وعلى الرغم من الاتصالات من خلال الرسائل المرسلة إلى القيادة الروسية ومجلس الدوما الروسي للإعتراف بتداعيات الحرب الروسيّة/الشّركسيّة بدءاً بالإبادة الجماعيّة التي اقترفتها الأمبراطوريّة الروسيّة، وما نتج عنها من تطهير عرقي وترحيل قسري، والّتي ردت بعض القيادات الروسية على بعضها سواء خطّياّ أو شفهيا بايماءات مفادها بأن ما حصل من أحداث لم يرق إلى مستوى الإبادة الجماعية، حتّى مع وجود 90% من مجموع الأمة الشركسيّة خارج الوطن، ورغم الأدلة التاريخية وأعداد الوثائق الرسمية التي تم الحصول عليها من الأرشيفات الرّسميّة الرّوسيّة، فضلا عن أرشيف تبليسي، حيث حفظت هذه الوثائق الرسمية من قبل القيادة العسكرية الروسية بعد الاحتلال الروسي لجورجيا، وعندما أصبحت تبليسي في وقت لاحق مركزاً للقيادة العسكرية الجنوبيّة للقوات الرّوسيّة التي كانت تعمل في منطقة القوقاز بشكل عام وعندما استنتجت القوات الروسية أن الخاصرة الجنوبية الشرقية من شركيسيا سواء بحريا أو بريا ستكون عاملا مساعدا إضافيا في الإِطباق على شركيسيا واحتلالها بالكامل وإنهاء الحرب التي أنهكت الدّولة القيصرية الروسيّة.

 

قام الناشطون الشركس في دول عديدة ومنهم من يقيم في الوطن أو في ديار الإغتراب القسري بتأسيس مؤسسات ومنتديات وجمعيات وحركات للعمل القومي من  لون آخر، يختلف معظمها اختلافا جذريا عما دأب الجميع على رؤيته من خلال الجمعيات التي أصبحت تتصف بأنها تقليديّة والتي ربطت نفسها بالجمعية الشركسية العالمية التي اتخذت من نالتشيك مركزاً لها، وما يعنيه ذلك من الإلتزام بمبادئ ومساقات بلا هدف ولا مآل، فقامت بنشاطاتها بالشكل التوعوي والإرشادي وذهب البعض من هذه التجمعات الشركسية المستجدة بالتداول بالشؤون الشركسية التي تهم المجتمعات الشركسية المصغرة في دول الشتات وفي شمال القوقاز، بينما قام البعض الآخر بممارسة العمل القومي إقليماً وعالمياً، والذي جاء بابعاد ومجالات وإمكانيات ونتائج متفاوتة ركزت على:

الثقافة، وتحديداً اللغة الأديغيّة حيث تنبئ حصيلة الدراسات والوقائع بأن اللغة في طريقها (لا سمح الله) إلى الإندثار، والذي يؤدي بالنتيجة إلى فقدان الهوية القوميّة،

الإعلام، حيث تم تركيز الإهتمام بشكل رئيسي بأيصال المعلومات المختلفة بواسطة الإنترنت سواء المواقع الالكترونية المختصّة أو التي تمثل جهات معينة أو منتديات التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك،

حقوق الإنسان، والذي يشمل وضع الأمة الشركسية مجزّأة ومشتّتة سواء في شمال القوقاز أو في دول الشتات والإغتراب، حيث أن 90 % من الشركس يعيشون في المنفى الإجباري، بينما 10 % منهم فقط يعيشون في شمال القوقاز.

المظاهرات والوقفات والإعتصامات التي نفذت في أماكن وجود الشركس وفي مناسبات عديدة أهمها يوم الذكرى الشركسي الّذي يوافق تاريخ انتهاء الحرب الروسيّة/الشركسيّة في 21 مايو/أيّار، مثل ما حدث في أماكن مختلفة من شمال القوقاز، وفي أنقرة واستنبول وعمان وكفركما ونيويورك وأماكن أخرى من الشّتات.

نشر موقع ناتبرس بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثّاني 2011 على الإنترنت، نقلا عن وكالة أنباء رغنوم الرّوسيّة بأن اللجنة التنفيذية للجمعيّة المعروفة ب”الأديغة خاسة” في جمهوريّة الأديغيه اتّخذت قرارا بإعلان عام 2014 عاماً للحزن والذكرى في العالم الشركسي بأجمعه، وتم ذلك في أمانة الجمعيّة. تمّ اعتماد القرار في جلسة اللجنة التنفيذية لل”الأديغة خاسه” التي عقدت مساء يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني. اتّخذ هذا القرار لصلته مع السنة المزمع عقد دورة الألعاب الأولمبيّة الشّتويّة لعام 2014 بها، والّتي ستصادف مائة وخمسون عاماً منذ تاريخ انتهاء الحرب الرّوسيّة-القوقازيّة والّتي تمّ خلالها طرد مئات آلاف الشّركس من الوطن الأم التاريخي. ووفقا لزعيم ال”أديغه خاسه” في جمهوريّة الأديغيه في ذلك الوقت أرامبي حابي، فإن اللجنة التنفيذية للجمعيّة اقترحت العرض المتعلّق بذلك، ولكن القرار النهائي بشأن هذه المسألة يمكن اتّخاذه فقط من قبل الجمعيّة الشركسية العالميّة.

يوم 30 يونيو/حزيران 2012، عقدت إحدى أكبر المنظمات الشركسية في شمال القوقاز، الأديغه خاسه (المعروفة أيضا باسم البرلمان الشركسي)، مؤتمراً في مايكوب  في جمهوريّة الأديغيه. رئيس المنظمة، آدم بوغوس وصف محنة الشّركس في شمال القوقاز بتعبيرات قاتمة. وفي كلمة مطولة، تحدث بوغوس عن ثلاث مواضيع رئيسية ساخنة تعتبرها منظمته بأنها الأهم: الاستراتيجية العامة للناشطين الشركس، وعودة الشّركس السوريين إلى شمال القوقاز والعنصر العرقي الشركسي في دورة الالعاب الاولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي. وذكر بوغوس أن تقسيم الشركس في عدّة مناطق إدارية كان عقبة رئيسية أمام مزيد من تطوير الأمة الشركسية. وقال ان التقسيمات الإدارية تؤدي إلى اتصالات محدودة للغاية بين المجتمعات الشركسية في شمال القوقاز وتزيد عمليات الإنصهار (http://ahase.ru/index.php?page=article_wiw&id=23).

المؤتمرات الشركسية الأكاديميّة سواءاً العرَضِيّة أو الدّورية منها والتي اختصت من خلال المشاركات الرصينة وتحديداً لتقديم مراجعة شاملة لكافّة العناصر والشؤون التي تشكل القضيّة الشّركسيّة وشارك فيها الناشطون الشركس من شمال القوقاز ومن بلدان الشتات، أضافة إلى المختصين والأكاديميين من بلدان متعدّدة، ويمكن ذكر جامعة هارفارد وجامعة وليام باترسون واليوم الشركسي (السّنوي) في البرلمان الأوروبي وتبليسي وأناكليا.

تم مؤخرا الإعلان عن تأسيس “حركة المبادرة للحقوق الشركسية” في الشتات الشركسي التركي، وقام القنصل الروسي في إستنبول بلقاء أعضاء من الحركة منهم  كينان كابلان للإطّلاع على نواياهم وأهدافهم. وفي سياق متّصل، قام كينان كابلان وعدد من رفاقه بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأوّل 2012 بتنظيم احتجاج أمام قصر دولما باشا في إسطنبول، حيث كان رئيس الوزراء أردوغان يعمل في مكتبه، في انتظار وصول الرئيس الروسي بوتين، وبعد السماح لهم بتلاوة بيان لوسائل الإعلام، قامت الشرطة التركية بإلقاء القبض عليهم لفترة وجيزة. وجاء في البيان الّذي قرأهُ كينان كابلان أمام الصحافة ما يلي:

– الأراضي الّتي ستقام عليها ألعاب سوتشي الأولمبيّة، هي موطن الشراكسة والمكان الّذي اقترفت فيها روسيا القيصرية إبادة جماعية ضد الشركس.

– ونتيجة لهذه الإبادة الجماعية والتهجير للمنفى، فإن الشركس يعيشون في بلدان كثيرة من العالم، بجانب فقدانهم لهويتهم وثقافتهم.

– واليوم، فإن الوريث القانوني لهذه الإبادة الجماعية والنفي الذي اقترف من قبل روسيا القيصرية هي روسيا الفيدراليّة الحاليّة.

– وبما أن الفيدراليّة الروسيّة تستعد لعقد دورة الألعاب الأولمبيّة في سوتشي، فإن الجراح الشّركسيّة لا تزال تنزف وتم فتحها من جديد. إن آلامهم تصبح أكثر عمقا.

– نحن نقول للروس، إذا أردتم عقد دورة الألعاب الأولمبيّة، يجب عليكم أولا الإستجابة لمطالب الشراكسة.

– الشراكسة يريدون من الفيدراليّة الروسيّة الاعتراف بالإبادة الجماعية التي ارتكبوها، ويريدون من روسيا الإعتذار، وإعطاء جنسية شركيسيا، واحترام حق الشّعب في تقرير مصيره بنفسه.

– عاش نضالنا من أجل أن نبقى شراكسة.

الإتصال والتواصل مع جهات وأطراف مختلفة وقيام الناشطين الشركس خلال هذه المسيرة بإرسال الرسائل وشرح القضية الشركسية وتداعياتها وزيارة الدول والبرلمان الأوروبي، إضافة الى المفوضية الأوروبيّة لحقوق الانسان.

جمع وترجمة ونشر المعلومات والوثائق التي تتعلق بالقضية الشّركسيّة وإتاحة الحصول عليها للشّراكسة وغيرهم من أجل معالجة الشؤون الشركسية المختلفة.

يصادف الخامس والعشرين من شهر ابريل/نيسان يوم العلم الشركسي، وقامت المجتمعات الشركسية في انحاء العالم باحياء هذا اليوم؛ في الوطن الأم قامت مسيرات ورقص شعبي في كل من نالتشيك ومايكوب، عاصمتي جمهوريتي قباردينو – بلكاريا وأديغيا. لكن قوات الأمن منعت دخول خيالة شركس الى شركيسك عاصمة كراشاي – شركس، مما ادى الى استعصاء أقامة الفعاليات كما كان مخططاً لها.

الإعلان عن تأسيس المركز الشركسي للثقافة وحقوق الإنسان في أوروبا مؤخّراً.

التخبط الرسمي وتناقض السياسة الروسية

نتيجة لعدم تمكن السلطات الرّوسيّة من إبداء حسن النيّة تجاه الشّراكسة، ولتعنتها في عدم الإقرار بحقوق الأمة الشركسيّة كإحدى الشّعوب الأصليّة أو الأصيلة حسب الدستور الروسي من جهة والتنكر للحقوق الثابتة لشراكسة الشّتات واستعادة حقوقهم المشروعة من جهةٍ أخرى، ولبراعة المسؤولين الروس في اختلاق هوة سحيقة تتسع يوما بعد يوم بين الحكومة الروسية من جهة والشراكسة المتواجدين في شمال القوقاز ومناطق اخرى من الفيدرالية الروسية كموسكو مثلاً من جهة أخرى، ممّا كرّس عدم وجود التناغم المطلوب في الإتصالات مع الشركس وخاصّة فيما يخص ضرورة عودة شراكسة سوريا في هذه المرحلة المتأزّمة من الحرب الأهليّة القائمة في سوريا!

وباختصار، تقاعست السلطات الروسيّة عن القيام بدور إنساني وحضاري من خلال إبداء حسن النية الجدير بالثّقة، بل قامت باختلاق الأعذار الواهية وعدم الرد الإيجابي على المطالبات الشّركسيّة، وذلك عندما قامت المجتمعات الشركسية المتواجدة في شمال القوقاز ومناطق أخرى من الشتات الشركسي سواءاً في الفيدرالية الروسية أو في العالم الأرحب بعقد الاجتماعات والمنتديات والتظاهرات والوقفات والإعتصامات والنداءات والمناشدات من أجل مساعدة الشركس في سوريا، ومساعدتهم للعودة إلى الوطن الأم الواقع في شمال القوقاز.

 

لكن جاءت المفاجئة والتي تضع روسيا بالفعل في وضع لا تحسد عليه! لقد ورد في رد من لجنة شؤون القوميات في مجلس الدوما الروسي على طلب رئيس الأديغة خاسا في جمهورية الأديغي، آدم شعيب بوغوص مساعدة شراكسة سوريا لعودتهم الى وطنهم التاريخي، وجاء في سياق الرد بأن الطلب تم تحويله إلى وزارة تنمية المناطق للفيدرالية الروسية، وجاء الجواب مؤرّخاً في 21 / 12 / 2012، وفقا للفقرة 3 للمادة 1 من القانون الفدرالي 99- ف3 والصادر في 24 مايو عام 1999 “حول سياسة حكومة الفدرالية الروسية تجاه المواطنين المقيمين في الخارج” (القانون الفيدرالي لاحقا) فالمواطنون هم “الأشخاص وأحفادهم المقيمون خارج حدود الفيدرالية الروسية من ذات الأصول المقيمة تاريخيا داخل الفيدرالية الروسية، وكذلك الأشخاص الذين اختاروا لأنفسهم الانتماء الروحي والثقافي والقانوني إلى الفيدرالية الروسية ممن كان أسلافهم المباشرون يعيشون داخل حدود الفيدرالية الروسية” (شمل التعريف الدولة الروسية والإتحاد السوفياتي السابق)، وأضاف الرد:

“شركس سوريا هم أحفاد المهاجرين من شمال وغرب القوقاز من الأصول الأديغيّة الذين لم يقبلوا بالمواطنة الروسية واختاروا الهجرة الطوعية من المنطقة عقب انتهاء العمليات العسكرية للحرب القوقازية {1817-1864}. وبذلك، فإن أجداد شركس سوريا الحاليين أقاموا في أراض لم تكن ضمن الفيدرالية الروسية حتى هجرتهم في العام 1864 إلى الإمبراطورية العثمانية فلا يمكن اعتبارهم مهاجرين من الدولة الروسية وفقا للفقرة 3 للمادة 1 من القانون الفيدرالي.”

بالإضافة إلى ذلك، “وفقا للفقرة 2 للمادة 3 من القانون الفيدرالي، فإن اعتبار الأشخاص المنصوص عليهم في الفقرة 3 للمادة 1 من القانون الفيدرالي مواطنين يعود إلى تعريفهم الذاتي والمدعوم بأنشطتهم الاجتماعية أو المهنية في مجال الحفاظ على اللغة الروسية أو لغات القوميات المواطنة في الفيدرالية الروسية أو العمل على نشر الثقافة الروسية في الخارج أو تعزيز علاقات الصداقة بين الدول التي يقيم فيها مواطنون روس والفيدرالية الروسية أو دعم المؤسسات الاجتماعية للمواطنين أو حماية حقوق المواطنين أو أنشطة أخرى تدل على الانتماء الروحي والثقافي الطوعي لهؤلاء الأشخاص إلى الفيدرالية الروسية”. بناء على ذلك، فلا بد من إثبات ما إذا كان شركس سوريا تنطبق عليهم صفة “المواطن” المنصوص عليها في القانون الفيدرالي.”، واختتم مدير دائرة العلاقات القومية في وزارة تنمية المناطق للفيدرالية الروسية رسالته بما يلي: “وبناء على ما ورد أعلاه، نعتقد أن مسألة شمول شركس سوريا بالمواطنين المقيمين في الخارج تحتاج إلى دراسة شاملة بالتعاون مع وزارة الخارجية الروسية ودائرة الهجرة الفدرالية الروسية”!

وفي خضم  ذلك، ردّ أمين زيخوف، رئيس “الأديغه خاسه– القرن الحادي والعشرين” كما وصف نفسه، إلى مجلس الدوما الروسي ووزارة تنمية المناطق الروسية ومعنونة باسم “مدير دائرة العلاقات القومية في وزارة تنمية المناطق للفيدرالية الروسية  جورافسكي أ.ف.”، ووصفه: “انك الشخص الوحيد الذي وضع النقطة في الكذبة التاريخية المستمرة منذ 500 عام حول ما يسمى بانضمام شركيسيا الطوعي إلى روسيا”، وأضاف: “إن ردك صحيح ويعني ما يلي: الشراكسة شعب محتل، أراضينا مستعمرة من قبل الدولة الروسية، نحن أحفاد الشعب المحتل، ما دامت شركيسيا ضمن الاتحادية الروسية فليس للشراكسة طريق للعودة، حكام منطقة شمال القوقاز هم حكام الإدارات الاستعمارية في القوقاز، يجب إزالة تمثال ماريا زوجة القيصر الروسي من مدينة نالتشيك. وهذه بعض من الأمور التي فتحتم أعين الشراكسة والشعوب القوقازية الأخرى عليها. مع تمنياتي بالهناء والازدهار لك ولكل الشعب الروسي”.

من هنا يجب التيقن من أساسيات الوجود الإستعماري الروسي في الجزء الشركسي من شمال القوقاز. ويجب تذكير الروس وعملائهم بأكاذيبهم و أضاليلهم، وسياسة الكيل بمكيالين في تعاملهم مع الشركس، والقضية الشركسية. يجب التذكير بالاحتفالات المزيّفة في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2007، عندما أرادت السلطات الروسية اختلاق احتفال على مرور 450 سنة على إنضمام الشركس الطوعي إلى روسيا! إن على روسيا الآن أن تتخذ قرارها! هل كان هناك إنضمام شركسي طوعي إلى روسيا أم كان هناك تناقضاً روسياً طوعياً ومستمراً؟ من هنا تنطبق عليهم الحكمة التالية: إذا عاهدوا فليس لهم وفــاء،  وإن وعدوا فموعدهم هبــــاء. على الشركس إبلاغ العالم عن هذا الإعتراف الروسي باحتلال الوطن الشركسي، وان الشّراكسة ملزمون باستعادة حريتهم واستقلالهم.

نقلا عن: http://www.jaccf.org/?p=1226

Share Button