كانت روسيا وستبقى “سجناً للشعوب”، كما تقول الكاتبة من موسكو

الاحد، 3 يوليو/تموز 2016

كانت روسيا وستبقى “سجناً للشعوب”، كما تقول الكاتبة من موسكو

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

4 يوليو/تموز 2016

            ستاونتون، 3 يوليو/تموز — يسعى كثير من الكتاب لوضع كل اللوم بخصوص الدولة الروسية الحالية على النظام السوفياتي وعدم قدرة أي من القادة أو السكان على حدٍ سواء على لإفلات من النفوذ السام والغادر، لكن في الواقع، تقول ايرينا بيرنا (Irina Birna)، فإن مشاكل اليوم هي انعكاس لمشكلة أقدم من ذلك بكثير: كانت روسيا وستبقى “سجناً للأمم”.

            في مقال على موقع كاسباروف آر يو (Kasparov.ru)، تقول المعلقة من موسكو أن ليس هناك من شك في أن “الشعب الروسي مريض”، لكنها تشير إلى أن عددا كبيرا جدا من الناس يميلون إلى إلقاء اللوم على الماضي السوفياتي في كل ما يتعلق بمشاكل الحاضر. في طبيعة الحال، فإن جذور كوارث اليوم تمتد أعمق من ذلك بكثير إلى الماضي (kasparov.ru/material.php?id=577788CDAC8B6).

            أولئك الذين يقتصرون رؤيتهم على الماضي السوفياتي كمصدر للمشاكل لا يمكنهم أن يفسروا ذلك، كما تقول بيرنا، “القرون الطويلة من عدم النضج للشعب الروسي” أو الأوصاف المذكورة في كتابات دوستويفسكي (Dostoyevsky) وغيره من كتاب القرن التاسع عشر — مثل المفاهيم التي مفادها أن الروس هم “شعب الله المختار” التي يتردد صداها في روسيا في الوقت الحاضر.

            وهم لا يستطيعون أن يفسروا لماذا لم يكن القادة العظام من روسيا فقط في الحقبة السوفياتية “يمارسون قتلا جماعياً ومهووسين”. البعض يعود إلى مراجع تشير إلى “أسرار الضمير الروسي” ولكن هذا لا يجذب أي شخص بعيدا جدا. ومثل هذا النهج غير مبرر على وجه الخصوص، حيث أن الإجابة على هذا السؤال واضحة.

            لقد كانت روسيا وهي كذلك “سجناً للشعوب، ويدعى داء شعبها بالعبوديّة”، كما تقول بيرنا. هذه الصيغة كما يستسيغ أن يقول الناس “الجميع أقوياء لأن ذلك كان صحيحاً”. وذلك يقدم إجابات على جميع الأسئلة التاريخية ويسمح للناس “بتفسير الحاضر والتنبؤ بالمستقبل”.

            “ومن ذلك تتدفق منطقيا الحروب الخارجية والداخلية، وإرهاب الدولة، وتقديم المنشطات للرياضيين بمعرفة الدولة، ومشجّعي كرة القدم، والفقر المدقع، والتخلف العلمي-التقني، ونقص خطوط الصرف الصحي و{الثقافة}” التي يقدمها أنصار النظام لأولئك الذين يجب أن يكونوا موجودين داخل هذا السجن.

            “العلاقة بين الشعب والسلطات هي علاقة السجناء مع سجّانيهم”، حيث تكمل. “يعرف السجناء أنهم يواجهون السجن مدى الحياة، ولدوا وهم سجناء وعندما يحين الوقت، فإن أطفالهم المسجونين سوف يحملوهم إلى مقبرة السجن. والوقت بين المهد واللحد — سوف لن يسمّى حياة — يجب أن يعاش من خلال تأخير حصول الحدث الأخير قدر الإمكان“.

            هكذا سجناء لا يتحدثون عن التحرر؛ يتحدثون عن البقاء على قيد الحياة خلال مدة محكوميتهم، حيث تقول بيرنا. وهم يعرفون أنها يتستطيعون أن يفعلوا ذلك أفضل عبر كونهم أكثر ولاء وطاعة لسجانيهم منهم لزملائهم السجناء. وسيتكيّفون لأنه “كما هو معروف جيداً، الرجل ليس خنزيراً؛ حيث يمكنه أن يعتاد على أي شيء”.

            هذه هي الطريقة التي أصبح الشعب الروسي معتاداً فيها على البقاء اليومي في السجن، الذي هو روسيا. إنّهُ “متكيّف جداً لها بحيث أنه لا يعرف حياة خارج أسوار السجن وأكثر من ذلك انه يؤمن بها. وإذا حصل وخرجوا إلى الحرية، فإن السجناء متأكدين أنهم سوف ينتهون في سجن آخر”.

            ربما تكون الزنازين أكبر ومضاءة بشكل أفضل، مع مراحيض وليس وسائل غير مناسبة أخرى، وسيكون هناك المزيد لشرائه من متجر السجن؛ لكنهم متأكدون من أنه سيكون سجناً لأنهم لا يستطيعون فهم أي شيء آخر — ولن يفهموا، حتى تتغير أشياء كثيرة، كما تقول بيرنا.

            في ذلك، كما تقول، فإن الروس مختلفون كثيرا عن بعض الأوكرانيين على الأقل. بيرنا تشير إلى قصة فلاديمير غونشاروفسكي (Vladimir Goncharovsky)، الذي ذهب إلى ميدان (Maidan) لأنه “فهم فجأة أنه ولد عبداً لكنه [قرر] أن أولاده لن يكونوا عبيداً”. باختصار، لقدطفح به الكيل (kasparov.ru/material.php?id=577788CDAC8B6#_ftn4).

            وميدان، كما تقول، حدّد “فاصلاً بنيوياً” بين الروس والأوكرانيين والذي سيدوم ليستمر فترة طويلة جداً. “لقد تبيّن للشعب الروسي ما يمكن أن يحققه شعب توقّف في لحظة معينة عن تصديق القصص حول “طبيعته الإستثنائية”، و”صبره”، و”تاريخه المشترك”، و”جذور الرّخاء”، وأخذ مصيره بين يديه”.

            “بدأ الشعب الأوكراني ميدان؛ وكان الشعب الأوكراني على استعداد للموت في ميدان. وجاءت في وقت لاحق كل المعارضة لميدان … [ثم] حاولت العثور على حلول وسط ونقاط إتفاق مع الرئيس الجاني “المنتخب شرعيا”. سعت كل أطراف المعارضة لتجنب إراقة الدماء. لكن الناس ساروا مباشرة نحو نيران القناصة”.

            هذا هو “الدرس الذي جلبه الأخ الأصغر” للأخ الأكبر ثم عمل على توحيد الشعب الروسي حول مجرمي الكرملين حتى بشكل أكثر إحكاماً. وحدت بينهم لأنه لم يكن ليمكن أن يكون غير ذلك، “فيما عدى أنهم كانوا على استعداد للحاق ب”ميدان في موسكو”، وهو شيء لم يكن الروس مستعدين له.

            لم يولد بعد غونشاروفسكي روسي؛ ان فلاديمير غونشاروفسكي الروسي كان ليشتري بعض الفودكا وليس تذكرة للذهاب إلى موسكو. “وهو سيصدق كل أكاذيب الكرملين حول “الفاشيين في كييف، وبأنّهم يعملون “بأموال وزارة الخارجية، بمساعدة وكالة المخابرات المركزية (CIA) وبالتدخل المباشر من أوروبا”.

تلك هي الرسالة الوحيدة التي يمكن لشعب مسجون أن يقبلها، كما تلمّح بيرنا، مشيرة في الختام إلى أن “الشعب لا يصبح حراً عندما يموت أخر عبدٍ فيه، لكن عندما يولد أول رجلٍ حر”.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2016/07/russia-was-and-remains-prison-house-of.html

Share Button