تضليل موسكو ينتشر من وسائل الإعلام إلى الناتج الأكاديمي

الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2016

تضليل موسكو ينتشر من وسائل الإعلام إلى الناتج الأكاديمي

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

17 يناير/كانون الثاني 2016

              ستاونتون، 17 يناير/كانون الثاني — عندما يفكر معظم الناس الآن بالتضليل الروسي، يعتقدون انّهُ بشكل ينحصر تقريباً بقصص إخبارية موجهة إلى جمهور واسع، وسواء كان ذلك عن طريق وسائل الإعلام المطبوعة أو الإنترنت. فهذه هي مشكلة خطيرة بالتأكيد، لكن الانتباه إليها منع الكثيرين من التركيز على ما قد يكون تطورا أكثر خطورة.

            أن المشكلة تكمن في انتشار الدعاية والتضليل من وسائل الإعلام هذه إلى ما هي تعتبر منشورات علمية في الظاهر، وهو تطور يمثل عودة لبعض من أسوأ تجاوزات فيض الحقبة السوفيتية حين أُجبر العلماء على اتباع خط الحزب حول القضايا ذات الأهمية بالنسبة للكرملين.

            وهذا التطور يهدد كل من العلماء الروس الذين، في حين أنهم قد لا يكون عليهم أن يشيروا إلى لينين كما فعل آباؤهم وأجدادهم، إلا آنّهُ يجب عليهم أن يخضعوا لخط بوتين بشأن هذه القضايا والباحثين الغربيين الذين قد لا يدركون الطريقة التي أفسد بها خط “الحزب” الجديد هذه البحوث “الأكاديمية” الإسميّة.

            التحدي المتمثل في تحديد ومواجهة مثل هذه الدعاية والتضليل في المواد الأكاديمية ظاهريا هو أبعد ما يكون أكثر صعوبة من التعرف على آخر الأكاذيب ومحاولات التشويه والتحريف في تصريحات المسؤولين والمعلقين الروس. حيث أن ذلك يتطلب المزيد من الوقت، والمزيد من الخبرة، وبذل المزيد من الجهود.

            لكنه جهد جدير بالاهتمام الواسع، وكل من هو حريص على الدقة يمكنه أن يكون ممتناً لأولئك الذين يدخرون من الوقت لتحليل هذه المقالات وإظهار الكيفية التي ينسجون فيها معا تحريفات مع وقائع حقيقية من أجل أن يضلّلوا جماهير كل من روسيا والغرب من خلال تعزيز أيديولوجية الكرملين.

            وقد ورد مثالا بارزا على ذلك في نهاية هذا الاسبوع من قبل اثنين من أعضاء المجلس الشركسي العالمي، هما اياد يوغار وعادل بشقوي الذان يحللان واحداً من الأمثلة على ذلك التضليل الروسي وبقيامهما بذلك يسلطان الضوء على كلا الطبيعة الماكرة لمثل هذه الأمور والأسباب التي لا بد من القيام بها (justicefornorthcaucasus.info/?p=1251676982).

            ويركزان على مقال من قبل اثنين من الباحثين في جامعة جنوب روسيا الفيدرالية بعنوان “القضية الشركسية: تحول المحتوى والتصور” الذي تم نشره في {Bylye gody, vol. 36, no. 2 (2015): 450-460}

(academia.edu/15285565/Circassian_Question_Transformation_of_Content_and_Perception).

            بين التشوهات التي يحويها هذا العمل المقتضب، ويشير اليها يوغار وبشقوي، هي التالية، كل منها يعكس الجهود الروسية في تشكيل التضليل من حيث جعل المقال يبدو أقل من كونه دعاية منه معرفة ونتيجة لذلك من المرجح أن تكون مقبولة من قبل الكثيرين وإعلام تفكير من هم أقل تناغما مع القضايا ذات الصلة.

            أولا، يلاحظان، أن المقال ليس فقط يزور تواريخ الحرب الروسية – الشركسية التي استمرت من 1763 – 1864 لكنهم يسمون هذا الصراع بأنه “حرب القوقاز،” وهو ابتكار روسي يتجاهل ما حدث فعلا في شمال-غرب القوقاز.

            ثانيا، يشير المقال إلى أن “ما يسمى القضية الشركسية” أصبحت “ساخنة” فقط في الفترة التي سبقت أولمبياد سوتشي لعام 2014. في الواقع، كان الشركس يحتجون على الأعمال الروسية في وطنهم لفترة طويلة، وأبرزها في الآونة الأخيرة في عام 2007 عندما اخترعت موسكو فكرة أن الشركس كانوا قد انضمّوا “طواعيةً” إلى روسيا لمدة 450 عاماً.

            ثالثا، يقدم المقال كحقيقة خطأ فلاديمير بوتين عن تاريخ منطقة سوتشي الساحلية. حيث تحدث عن أن الإغريق استوطنوا هناك في العصور القديمة دون الإشارة إلى الحقيقة بانها كانت بالفعل مأهولة بالسكان الشركس.

            رابعا، يقول المقال أن انتشار الإنترنت سمح لروسيا فضح التزوير الشركسي والتغلب على المقاومة الشركسية. في الواقع، يقول يوغار وبشقوي، أن شبكة الإنترنت العالمية قد أدّت إلى مزيد من النشاط الشركسي وزيادة في الاهتمام للتاريخ الحقيقي للشركس.

            وخامساً، يلوم المقال القوى الخارجية لكل شيء سيئ حدث في شمال القوقاز ويقدم روسيا على أنها دائماً قوة إيجابية، تحريف يسقط على وجهه عندما يبحث المرء عن أي من سجلات الصراع والطرد الذي يعد إبادة جماعية للشركس من قبل القوات الروسية.

            في الحياة الأكاديمية الغربية، فإن أي مقال يحوي الكثير من الخطأ يكون موضع انتقاد شديد من جانب علماء آخرين. ولكن المقالات الروسية من هذا القبيل غالبا ما يبدو أنّها تحصل على نجاح، مع أولئك الذين يقرأونها يتناسون أن يفعلوا الحقيقة الأساسية وهي التأكد من أنهم سيصرون عليها إذا تم نشر المقال في أي مكان آخر.

            لقد آن الأوان لأن يتوقف ذلك، ليس فقط لصالح هؤلاء المتواجدين في الغرب الذين يحتاجون إلى معرفة الحقيقة عما كانت تقوم به موسكو ولكن أيضا لصالح العلماء وغيرهم داخل حدود الفيدرالية الروسية الذين أصبحوا مرة أخرى في وضع يجري تغذيتهم بالملعقة لنوعية الدعاية التي كان كثيرون يأملون قد انتهت مع زوال الاتحاد السوفياتي.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2016/01/moscow-disinformation-spreading-from.html

Share Button