هل فقدان اللغات الأصلية في شمال القوقاز يعني ترويساً أم تشكيلاً لشعبٍ قوقازيٍ جديد؟

الاثنين، 1 مايو/أيار 2017

هل فقدان اللغات الأصلية في شمال القوقاز يعني ترويساً أم تشكيلاً لشعبٍ قوقازيٍ جديد؟

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

2 مايو/أيار 2017

            ستاونتون، 1 مايو/أيار — يتوقع معظم الروس وكثير من الخبراء، ويخشى كثير من غير الروس، أن تراجع استخدام اللغات الأم في شمال القوقاز سيؤدي إلى الترويس ثم إلى ترويس شعوب تلك المنطقة، واختفاء الثقافات القومية وإلى الاندماج في نهاية المطاف مع أمة عرقية روسيّة.

لكن هناك احتمالاً آخر، وهو أقل جاذبية لموسكو وربما أكثر أهمية بكثير لمستقبل المنطقة: إن الاتجاه الحالي لزيادة استخدام اللغة الروسية قد يؤدي إلى توسيع التعاون بين شعوب المنطقة، وحتى إلى تشكيل “شعب قوقازي” ذو عرقية متميّزة. 

            وفي بعض الأحيان يتم نسيان أن أحد الأسباب التي دفع السوفييت إلى الترويج للغات الوطنية في شمال القوقاز وفي أماكن أخرى هو تقسيم السكان وبالتالي جعلهم أسهل للحكم، نظراً إلى أنه إذا ظهرت لغة مشتركة بينهم، فإن ذلك قد يؤدي إلى مقاومة أقوى كما كان الحال في القرن التاسع عشر.

            وهكذا، عملت موسكو على تدمير اللغة العربية ولغة جغتاي (Chagatay) التركية، اللتين كانتا أسس وحدة شمال القوقازيين تحت رئاسة الإمام شامل. لكن افترض الروس أن تعزيز اللغة الروسية كلغة مشتركة كان مختلفاً، وأنه سيعزز من تكامل القوقازيين بدلاً من أن يكون أساسا لتعاون وصمود مناطقي محلي.

            وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، تزايدت الأدلة التي بينت أن موسكو قد أخطأت التقدير بشأن هذه النقطة. الشيشان — إشكيريا (Chechnya-Ichkeria)، على سبيل المثال، استخدمت اللغة الروسية ليس فقط لأن العديد من الشيشانيين يتحدثون بها بشكل افضل مما يفعلون مع لغتهم القومية ولكن لأنها سمحت لهم بالوصول إلى الآخرين في شمال القوقاز الذين كانوا أيضا مضطّهدين من قبل موسكو.

            وفي الآونة الأخيرة، اختارت جماعات إسلامية مختلفة في شمال القوقاز استخدام اللغة الروسية بدلا من اللغات الوطنية لأنها تسمح لهم بتجنيد وتعبئة وقيادة أتباع من جماعات عرقية متنوعة بدلا من مجموعة عرقية واحدة فقط. وباختصار، وبتشجيع اللغة الروسية في شمال القوقاز، أوجدت موسكو مشكلة جدّيّة لنفسها.

            في تعليق على موقع أونكافكاز (OnKavkaz)، تواجه أمينة سليمانوفا (Amina Suleymanova) هذه المسألة بشكل مباشر من خلال التساؤل عما إذا كان انخفاض استخدام اللغات الأصلية في شمال القوقاز سيؤدي إلى “إكتمال الروسنة أو إلى تحول جميع شعوب المنطقة إلى شعب قوقازي جديد … قوقازيون يتحدثون اللغة الروسية” (onkavkaz.com/news/1665-obrusenie-kavkaza-neotvratimo-narody-rastvorjayutsja-zachem-moskve-sohranjat-kavkazskie-respubl.html).

            ومن وجهة نظر اللغات الوطنية للسكان الأصليين، فإن سياسات موسكو وصرامة الميزانية تعني أن الوضع في الجمهوريات المتعددة الجنسيات في شمال القوقاز — داغستان وكراشييفو – شركيسيا وكباردينو – بلكاريا سيئ على نحوٍ خاص؛ وبالتالي فإن اللغة الروسية تنتشر بسرعة.

            ولكن الوضع “أفضل قليلا” فى الجمهوريات ذات العرق الواحد فى الشيشان وانجوشيا وأوسيتيا الشمالية. وهناك أيضا، كما تقول سليمانوفا، إن استخدام لغات الجنسيات المتماثلة يستمر في الانخفاض “سنة بعد أخرى”.

            وعلى مدى القرن الماضي، أصبحت اللغة الروسية تلعب دور لغة التواصل بين الأعراق، وفي هذا الصدد، حلت محل اللغة العربية التي كانت اللغة المشتركة هناك في القرن التاسع عشر. ويعتقد البعض أن اللغة التركية في المستقبل قد تحل محل الروسية بنفس الطريقة.

            ومع ذلك، فإن هناك سؤالان فوريان آخران، كما يتساءل المعلّق: هل سيؤدي تغيير اللغة إلى تحولات في الهوية؟ وهل “موسكو نفسها تحافظ على الجمهوريات القومية” أم تلغيها إذا كانت تعتقد أن “السكان قد كفّوا عن أن يعرفوا أنفسهم بشعب معين؟”

            إن تغيير اللغة لا يعني دائما تغيير الهوية أو على الأقل تغيير الهوية الذاتية في اتجاه أولئك الذين يسعون لترويجها. وهناك العديد من الشباب في شمال القوقاز من “الذين لا يعرفون لغتهم إلا أنهم برغم ذلك يظهرون مستوى من التعلق بشعبهم أكثر من الكثيرين الذين يعرفون لغتهم.”

            وتطرح سليمانوفا مثالا، المغتربين القوقازيين في الخارج. فالعديد منهم تترّكوا (أصبحوا أتراكاً) أو عُرّبوا (أصبحوا عرباً)، و”الجيل الأصغر لا يعرف لغته عمليا”. ويستخدمون اللغة الروسية أو الإنجليزية للحديث عن قضية قوميّة، ولكن ذلك لا يقلل بأي حال من الأحوال من هوياتهم القوميّة.

            (هي لا تذكر ذلك ولكن من الجدير بالذكر التذكير بأن الأيرلنديين لم يصبحوا قوميين إلى أن توقّفوا عن التحدث باللغة الغيلية (Gaelic) وبدأوا يتكلمون لغة الإمبراطورية، وكانت حركتهم الوطنية تقوم على اللغة الإنجليزية، على الرغم من أن العديد من قادتها وخلفائهم سعوا إلى تطوير إحياء اللغة الغيلية.).

           وتقول: “تظهر الممارسة أن الشباب يفقدون لغاتهم الأصلية أسرع من عقليّة القوقاز”، وبالتالي هناك إمكانيّة حقيقيّة جداً بأن التّرويس الّذي قامت روسيا بتشجيعه “سيؤدي إلى ظهور شيء جديد في المجتمع الروسي ألا وهو قوقازيين ناطقين باللغة الروسية من إثنيات متعددة”.

             وإذا حدث ذلك وإذا ووجهت موسكو بأناس مناهضون للروس على نطاق أوسع، لكن متحدثين باللغة الروسية يوحّدون كافّة قوميات المنطقة، فإن المركز سيواجه مشكلة أكبر بكثير مما كان عليه عندما كان يروج للغات غير روسية. وباختصار، فإن خصومها قد يتكلمون الروسية لكنهم لن يكونوا أقل خصومة لموسكو في ذلك.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2017/05/will-loss-of-native-languages-in-north.html

Share Button