جهود موسكو لمحو التاريخ الشركسي جاءت بنتائج عكسية

جهود موسكو لمحو التاريخ الشركسي جاءت بنتائج عكسية

الناشر: أوراسيا دايلي مونيتور (Eurasia Daily Monitor)

بول غوبل (Paul Goble)

16 مايو/أيار 2017

ترجمة: عادل بشقوي

18 مايو/أيار 2017

(Source: cerkes.org.tr)
(Source: cerkes.org.tr)

على غرار السلطات القيصرية التي هجّرت الشراكسة من شمال القوقاز في عام 1864، وهو عمل يشير اليه الكثيرون على إعتبار أنه “من أعمال الإبادة الجماعية”، والسوفيات الذين قاموا بتجزئة تلك الأمة إلى مجموعة من الجماعات العرقية الأصغر، بما في ذلك أديغي (Adygei)، وقباردي (Kabardin)، و شركيسك (Cherkessk) و شابسوغ (Shapsugs)، حيث أن حكومة فلاديمير بوتين الروسية تكرس جهودا أكبر من أي وقت مضى لمحو الشركس من صفحات التاريخ. ويبدو أن هدف الكرملين هو منع ما كانت سابقاً أكبر قومية إسلامية في شمال القوقاز من استعادة شعورها بالوحدة ومن تحدّي سيطرة موسكو على تلك المنطقة.

في مقال بعنوان “لا تعطوا أهمية للشركس: إنّهم لم يعودوا موجودين”، يناقش الناشط الشركسي أنزور داور (Anzor Daur) إلى أي مدى وصل هذا النهج منذ أن أصبح بوتين رئيساً. في حين أن بعض المسؤولين الروس في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي اعترفوا في وقت سابق أن المنطقة التي يطلق عليها الروس كوبان (Kuban) كان يسكنها ويحكمها الشركس في السابق، وهم في الوقت الحالي، وفي خطوة إطباق، يرفضون حتى الاعتراف بهذه الحقيقة التي ازدادت حدة التوتر بها مع كييف (Kyiv) فيما ما إذا كانت تلك المنطقة يجب أن تنتمي إلى روسيا أو إلى أوكرانيا (On Kavkaz, May 16; Windowoneurasia2.blogspot.com, May 14).

لكن مسْعى موسكو لإعادة كتابة التاريخ في هذه الحالة يبين بالضبط تأثيرا عكسيا عمّا يقصد الكرملين. لقد أثار ذلك الشركس في شمال القوقاز والخارج للتركيز على أساليب موسكو والتعبئة لمعارضة ذلك من خلال التعبير علنا والمطالبة بأن يتم الاعتراف بتاريخهم وأن يتم الإحتفال بمناسباتهم. وفي يوم الأحد الماضي (14 مايو/أيار)، على سبيل المثال، أصدر مجلس منظمة مدينة مايكوب، أديغه خاسه الشركسية، إعلانا يشير إلى أنه لا أوكرانيا ولا روسيا يجب أن تتحدثا عن إقليم كوبان كما لو أنه كان دائما ينتمي إلى أيٍ منهما. وأشار المجلس إلى أن في واقع الأمر كان الإقليم شركسيا قبل أن يقتل أو يطرد الروس معظم أسلافهم (Kavkazr.com, May 15).

وواصل المجلس أنه “لا ينبغي للمرء أن يحاول تقسيم جلد دب لا يزال على قيد الحياة”. وأعلن أن كوبان وأجزاء أخرى عديدة من شركيسيا قد أفرغت من سكانها “نتيجة للإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين، وهي جريمة إبادة جماعية تم الاعتراف بها جزئيا، حتّى من قبل جمهورية قباردينو – بلكاريا (Kabardino-Balkar) وجمهورية أديغي (Adygei)، وهما جزءان من الفيدرالية الروسية، فضلا عن جمهورية جورجيا (Georgia) ومنظمة الشعوب غير المعترف بها (Unrecognized Peoples Organization)”. ودعا المجلس المسؤولين الروس إلى وقف “تزوير تاريخ كوبان، والأمر بإزالة النصب التذكارية التي تعود إلى جنرالات القيصر الذين شاركوا في الحرب الروسية-القوقازية”، و”عدم نسيان حقوق ومصالح الشركس”.

ويشير أفرام شموليفيتش (Avraam Shmulyevich)، وهو متخصص إسرائيلي في منطقة القوقاز، إلى أن “الأوكرانيين الزابوروجيين (Zaporozhian) والشركس أصبحوا ضحايا لسياسات موسكو”، وهم في الحقيقة “إخوة مرتبطون بأصل مشترك”، ويجب على أوكرانيا الآن “دعم كل من عودة الأراضي الشركسية لأصحابها الشرعيين، وكذلك بناء شركيسيا ديمقراطية بحيث يكون فيها لجميع المقيمين حقوق متساوية”، الشركس و”أحفاد الأوكرانيين” الذين طردوا من هناك. ويقول إنه ينبغي السماح لهؤلاء الأخيرين “بالعودة بحرية” إلى هذه الدولة المعاد إحياءها حيث ستكون قادرة على “تطوير ثقافة القوزاق الأوكرانية” (Kavkazr.com, May 15).

لكن موسكو لا تظهر سوى القليل من الدلائل على أنها قد تكون مستعدة للقاء الشركس حتى في جزء من الطريق. فبدلا من ذلك، يقوم المسؤولون الروس بكل ما في وسعهم للتدخل في كل الجهود التي يبذلها الشركس لتذكُّر تاريخهم واستعادة وحدتهم القومية، وهو جهد يبعث على القلق بشكل خاص في الفترة التي تسبق 21 مايو/أيار، عندما يقوم الشركس في جميع أنحاء العالم — وهم أكثر من خمسمائة ألف لا يزالوا يقيمون في وطنهم في شمال القوقاز وأكثر من خمسة ملايين في الخارج — بمناسبة الذكرى 153 للتهجير الروسي لأمتهم إلى الإمبراطورية العثمانية.

ما قد تقدم عليه موسكو في وقت لاحق من هذا الأسبوع يتماشى مع ما فعلته بالفعل في 25 أبريل/نيسان المنصرم، عندما تدخل مسؤولون في قباردينو-بلكاريا في الاحتفال بيوم العلم القومي الشركسي. ووفقاً لأحد المشاركين في ذلك الاحتفال، فإن “السلطات كانت تتصرف بمثل هذه التدابير بحذر […] وتحاول عدم إظهار ذلك علنا”، لأن الشركس يستعيدون إعتزازهم ووحدتهم ويخشى المسؤولون الروس من إثارة اشتباكات يمكن أن تجعل موقف موسكو في شمال القوقاز أسوأ من ذلك (Kavkazr.com, May 5).

وأشار الناشط الشركسي عسكر سوخت (Asker Sokht) في جمهورية أديغي، إلى أن السلطات كانت أكثر إنضباطاً. لكن في مقاطعة كراسنودار (Krasnodar)، حيث يعيش العديد من الشراكسة، اعتمد المسؤولون نهجا جديدا، وأصروا على أن أي إحياء للمناسبات الشركسية يجب أن يجري  في الداخل وليس في الأماكن العامة. ومثل هذا التوجيه يحد من حجم الاجتماعات ويقيد حضور الشباب، ويجعل من السهل على السلطات أن تسيطر على الوضع (Kavkazr.com, May 5).

وأشارت عايدة جيرغ (Aida Gerg)، الشركسية من قباردينو – بلكاريا، إلى أن الشركس ليس لديهم خيار سوى الموافقة على الشروط التي تضعها الحكومات المحلية. لكنها أكدت أن السلطات بعيدة عن التّآلف. بعضها متعاطف تماما مع الشركس، في حين أن معظمها معارض تماما، وسوف تشارك بحماس في مزيد من القمع إذا ومتى دعت موسكو لذلك.

وقالت إن الشراكسة وعند وضع خطط للمظاهرات في المستقبل لن يعطوا السلطات أي مجال لبدء مثل هذه السياسة، بما في ذلك يوم ذكرى ضحايا حرب القوقاز في 21 مايو/أيار. وبدلا من ذلك، فإنّهم سيعملون على ضمان مشاركة عدد كبير من الشباب، وهو ما يوحي بناء على المناسبات السابقة، بأن يجعل المسؤولين أكثر حذرا في الرد.

المصدر:

https://jamestown.org/program/moscows-efforts-erase-circassian-history-backfiring/

Share Button