حرب نفسيّة ومصدرها معروف تماماً
تقديم: عادل بشقوي
10 يوليو/تموز 2013
الحرب النفسيّة أحدى الوسائل المتّبعة في بث الأفكار والمعلومات المغرضة والإشاعات الكاذبة إلى شرائح واسعة من الناس وبالتالي استعمالها كأخبار مقنّنة وموجّهة ومنمّقة وفقا لمصلحة الجهة (الوحيدة) الّتي تعتبر المستفيدة والتي تسعى بدورها إلى تقديم المعلومات وفقا لسياساستها الخرقاء في إلغاء الآخر وتولي مهمة شن حرب الدعاية المخطّط لها بالوسائل المتاحة حتّى ولو كانت إحدى هذه الوسائل هم بعض “المتبرّعين” من أحفاد الضحايا! ومن يجد نفسه مدفوعاً لإيصال معلومة أو معلومات مثيرة بشكل مباشر أو باستعمال من يؤتمر بإيصالها لأسباب يمكن معرفة دوافعها وتفاصيلها من الطريقة المستعملة والأطراف المراد توصيفهم وتوزيع ادوارهم اعتماداً على درجة الإثارة المطلوبة ومدى التأثير الذي يراد إحداثه.
وإذا كانت البلاغة تعرف بأنّها تعني نزول المخاطِب بكسر الطّاء منزلة المخاطَب بفتحها، فإنّ الأكاذيب تنشر تحت مسميات وعناوين وأسماء تكاد تخلو من أهداف سامية، حيث تبدو وكأنها تجميع وتصفيف لكلمات وجمل وأوصاف لا يستفيد منها القارئ الحصيف أو من يريد معرفة الحقيقة بشيئ، بل تدخل في باب “فن” الردح الخبيث والتّبلّي وقلب الحقائق ومحاولة تحجيم من يطالب باستعادة الحقوق المغتصبة، ويمكن قراءة كل ذلك بين سطور الحقد الأعمى وكيل الاتهامات المبطنة التي يتحمل من يروج لها المسئولية القانونيّة والأخلاقيّة الكاملة تجاهها، ويستدل بأن كل ذلك يعتبر استمراراً للترويج لمعلومات مشكوك في صدقيتها ومصداقيّتها ومن أجل نشر الدعاية السوداء وكذلك لتسهيل أعمال المؤامرات من أجل تقويض الجهود المباركة والمبذولة للإعتراف بالحقوق الشّركسيّة الثابتة وبالإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي والنّفي القسري الّتي اقترفت ضد الأمّة الشّركسيّة.
الصراع الحضاري والثقافي
فالموضوع بمجمله لا يمكن وصفه طبقاً للدعاية المعادية والتشويه الممنهج المقصود والحقد الأعمى وبغير ما يعنيه ويستدل عليه! إن الصراع الحضاري والثقافي الّذي وقع على الأرض الشّركسيّة منذ ابتدأت الحرب الظالمة التي شنتها قوات الدولة القيصريّة الروسيّة ومرتزقتها ضد الأمّة الشّركسيّة في عام 1763 واستمرّت حتّى 21 مايو/أيار من عام 1864، ضاربةً عرض الحائط بالمبادئ الإنسانيّة واحترام إرادة وحقوق شعب عشق الحرية بأبهى معانيها، وحسب الوثائق التاريخيّة التي خُطّتْ من قِبل المجرمين الّذين اقترفوا المذابح والتدمير والتهجير فقدت الأمة الشركسيّة نصف تعدادها وتم تهجير 90% من الباقي إلى خارج الوطن التاريخي للأمّة الشّركسيّة. ومن أهم الخطوات التى اتخذت ضد الشراكسة وأمانيهم وآمالهم وطموحاتهم القومية المشتركة ، ما قامت به القوى الباغية في العمل على محاولاتها الشّريرة في القضاء على التراث الثقافي الشّركسي إضافة إلى القضاء على صرح حضاري إنساني متأصّل في جذور الإنجازات الإنسانيّة ومشهود له لأكثر من ستّة آلاف عام، وللتاثير والقضاء على القيم والمصالح الوطنية التى تجمع بين جميع مكوّنات الوطن.
لم تفلح المحاولات الوحشيّة والإنتهازيّة والإستفراد وعمليات الحرب الهمجيّة الّتي أرادها الغزاة أن تكون خاطفة بالتأثير على أمةٍ لا تمت للروس بأيّة صلة لا إثنياً ولا لغوياً ولا دينياً ولا جغرافياً ولا إقليمياً ولم يكن هناك يوماً آمالاً وأهدافاً مشتركة، حيث كان هدف القيصر الروسي الوحيد هو القضاء على هذا الشعب وبأي ثمن، وأرادوا كذلك تحطيم المعنويات وبشتى الوسائل الممكنة. لقد تم تشتيت الجمع وتشريد المواطنين وتدمير وحرق البلدات والقرى والحقول والمحاصيل والإستيلاء على الممتلكات الثابتة والمنقولة والإجهاز على الإمكانيات القومية والوطنيّة، ومنها السياسية والإقتصادية والعسكرية والإعلامية وغيرها من المقدرات التي تتفاعل مع بعضها البعض لتحديد ماهيّة عناصر الوطن والمجتمع.
إستمرار استهداف المطالبين باستعادة الحقوق الشّركسيّة
وفي نفس السياق، فقد قرأت مقالا نشر في صحيفة الكترونيّة تدعى “الوقائع الاخبارية” بتاريخ الثامن من يوليو/تموز 2013، ذُكِر بأنه أرسل من قبل محمد عودة من موسكو! ويمكن من خلال الإطّلاع عليه معرفة أن القائم بدور الكاتب يبدو للقارئ وكأنّه روسياً أكثر من الروس أنفسهم، ويعكس المقال مدى العبثية في وصف أحداث أو وقائع لم تكن في المستوى اللائق، لا بل لم تعطي فكرة واضحة عن أي من الأحداث التي سردت وصفّت لتكوين فكرة هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع.
من المعروف، وحتّى من المؤكّد بأن هناك تنسيق وتعاون وثيق بين ثالوث يتألّف من كلِ من القائم بدور “كاتب المقال” المذكور والثّاني الغائبين الحاضرين الّذين قاموا بإرسال لفافات حوتْ ما أسموه بمعلومات أرادوها أن تشكل مقالا والثالث يتألّف من الدوائر الموجودة في موسكو وهي نفس المدينة التي زُعم بأن المقال قد تم إرساله منها. القاسم المشترك بين هذه الأطراف هو محاولة تهميش النجاح والإنجازات التي تمت خلال السّنوات الماضية، لكن بنفس الوقت فإن هناك قاسماً مشتركاً بين أطراف الثالوث في فشلها بإحداث تأثير سلبي على القضية الشّركسيّة وعلى الشّركس أنفسهم.
وفي خضم هذا الضجيج وهذه الجعجعة يمكن القول بإن الإناء ينضح بما فيه وهناك إستفزازات تتدفّق كسيل من الأكاذيب والمغالطات وفق حقيقة إيذاء مقصود وإيقاع لفظي محموم ومغرض ولن يثني كل ذلك الذين يعملون بجدٍ وكدٍ ونشاط عن مواصلة العمل بتصميم وبإرادة لا تلين وبصمت ومن دون ضجيج من أجل إحقاق الحق ووضعه في نصابه ومساره الآمن، وما هي محاولة زج إسم الشركس في أمور لا تفيد قضيتهم إلا ضرباً من الجنون وليست إلا دليلاً على التيه وفقدان الاتجاه الذي تعاني منه الأطراف المتضررة نتيجةً لشدة وقع النجاح الذي تحقق في مجالات متعددة منها إعتراف برلمان دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة بالإبادة الجماعيّة الشّركسيّة وبناء نصب تذكاري في أناكليا على البحر الأسود لتخليد ذكرى ضحايا الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة، لأن هذه المحاولات التي يشتم منها الحقد والتطفل لن تجدي مطلقا لأن الأغلبيّة المطلقة من الشّركس لا تنطلي عليهم هذه الألاعيب والسّخافات المراد منها شق الصف الشركسي وتوجيه الإنتباه نحو أمور غير جوهرية وغير ملموسه على أرض الواقع، بل تدخل في باب الخيال السلبي.
وباختصار، وللوصول إلى الإستنتاج المنطقي يمكن الإستدلال بأن هناك حملة محمومة يقوم بها الجانب المشار إليه أعلاه وتـأتي في نطاق التحضيرات لإقامة دورة الألعاب الأولمبيّة الشّتوية في سوتشي الشّركسيّة في شهر فبراير/شباط من العام القادم 2014 من أجل التخفيف من شدة وقع الرفض الذي يبديه الشّركس والقوقازيين وكل من يعرف حقيقة جريمة الإبادة الجماعية الشّركسية التي اقترفتها قوات الغزو القيصري خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فالسيف يقطع بحدّهْ والمرء يسعى بجده وإن مفاتيح الأمور العزائم.