قضيّة ساخنة – أكاذيب، الأكاذيب البغيضة والتّضليل الرّوسي

قضيّة ساخنة – أكاذيب، الأكاذيب البغيضة والتّضليل الرّوسي

13 أغسطس/آب 2014

بول غوبل (Paul Goble) 

ترجمة: عادل بشقوي

16 أغسطس/آب 2014

31c38ca21e

ملخص تنفيذي

تستخدم الفيدرالية الروسية دعاية واسعة النطاق، وأكاذيب خرقاء، و — الأهم من ذلك كله — التضليل كجزء من الحرب الهجينة التي تخوضها ضد أوكرانيا والغرب. التضليل يضم بعض الصحّة، ما يريده الناس أن يكون صحيحا، وبدهاء أكاذيب صريحة مقنعة. دأبت موسكو بنشاط على استخدام هذا التضليل كجزء من سياسة مدركة أوسع في أوكرانيا، وتغير بيسر أو ترفض عناصر من السرد الكاذب الّذي كانت تقوم بنسجه حينما تتغير الأحداث السياسية على الأرض. لقد حطّ التضليل الروسي على أرض خصبة على المستوى المحلي لأنه يلعب على وقع عواطف الروس عميقة الجذور ويؤدّي إلى تحويل انتباه الناس بعيدا عن الاهتمامات السياسية والاقتصادية الأكثر إلحاحاً. في الخارج، يعطي خطاب موسكو فضح لا مبرر له وعدم التعرض للمساءلة بسبب الفهم الخاطئ من قبل بعض الصحفيين الغربيين للتمييز “بين التوازن والموضوعية الحقيقية، فضلا عن وجود دائرة واسعة من الناس تعتمد أعمالهم على محافظة الغرب على علاقات قوية مع روسيا. ومن أجل الحد من انتشار وتأثير التضليل، فإن الحكومات الغربية بحاجة إلى أن تدرك الفرق بين الكذب الساذج والتضليل الفعلي، واكتساب المهارة لتحديد التضليل وتحليل الحقائق والأكاذيب التي تحويها، وكذلك تطوير أساليب إجابة ومواجهة لمثل هكذا تضليل سواء في الداخل أو في الخارج. إن إحداث تغييرات في السياسات ضروري وإن تحقيق ذلك سيتطلب إرادة سياسية وبعض التكاليف، ولكن تكاليف عدم القيام بأي شيء قد يكون أعلى.

مقدمة

في مقاله المنشور في صحيفة موسكو تايمز يوم 30 يوليو/تموز، أشار اندريهمالغين (Andrei Malgin)فقط إلى كيفيّة تصرّف السلطات الروسية بعد إسقاط طائرة رحلة الخطوط الجوية الماليزية التي تحمل الرقم 17 (Flight 17) بالمقارنة مع رد فعل السوفيات عندما اسقطوا طائرة الخطوط الجوية الكورية الجنوبية ذات الرحلة رقم 007 (KAL Flight 007) في عام 1983. في ذلك الوقت، كما قال، “لم تنكر وسائل الإعلام السوفياتية وقوع الحادث ولكن ركزت كل جهودها الدعائية على شرح سياق كيفيّة حدوثه (The Moscow Times, July 30).

في هذه المرة، ومع ذلك، “ادّعت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الكرملين مرارا وتكرارا [وبأشكال مختلفة] أن: الطائرة لم يجري اسقاطها على الإطلاق، بل سقطت من السماء من تلقاء نفسها؛ انفجرت قنبلة على متن الطائرة؛ أصيبت الطائرة من أجل تشويه سمعة روسيا؛ لم يكن يوجد أناس على قيد الحياة على متن الطائرة وكان الطّيار الآلي من يقودها منذ غادرت أمستردام، حيث تم تحميلها مسبقا بِ”جثث متعفّنة”.

قال المعلق الصّحفي الموسكوفي أنه في ظل الرئيس فلاديمير بوتين، “لم يكن كافيا مجرد تحريف الوقائع لتحقيق أغراضهم الخاصة” لأنه “عندما تستند الدعاية على الفروق الدقيقة في التفسير، فإن الفرصة تبقى دائما بأن شخصا ما وبمنظور جديد أو عقلية منتقدة يمكن أن يلقي ظلالا من الشك على تلك الإدّعاءات”. لكن، يقولمالغين،” عندما تركّز السلطات دعايتها كليا على الأكاذيب، فإنها تحقق النتيجة المرجوة بشكل أسرع ولا تترك مجالا للشك” (The Moscow Times, July 30).

ويبدو مالغينبشكل جلي بصدد الإعتقاد بأن بوتين يسعى لخلق “واقع بديل” يستند على الأكاذيب. ولكن هناك ما يدور أكثر من ذلك. في الواقع، كان حجم التضليل الّذي مارسته موسكو حول أوكرانيا على مدى الأشهر الستة الماضية كبير الى الحد الّذي لا يمكن تصوره ما دفع بالكثيرين إلى إعداد قوائم محدّثة باستمرار لتعداد 40 أو 60 أو حتى 100 من أكثر الأشياء الّتي تثير الغضب قالها فلاديمير بوتين وأتباعه عن أوكرانيا. [1] هؤلاء المراقبون مصدومون من أن الكثيرين من الناس في الفيدراليّة الرّوسيّة يبدون قابلية بأن ما يقوله نظام بوتين هو الصحيح. وفي الوقت نفسه فهم غاضبون لأن الكثيرين في الغرب يبدو كذلك وكأنّهم وقعوا ضحية لأكاذيب موسكو كذلك — إما نتيجة الخلط بين التوازن والموضوعية، وذلك من باب الإقتناع بأن جميع الحكومات تكذب وأنه لا ينبغي لأحد أن يفاجأ، أو الالتزام بالحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة الروسية بغض النظر عمّا تقوم به.

ردود فعل كهذه مفهومة إن لم تكن جديرة بالثناء بشكل خاص. لكنها تجمع على صرف الانتباه عن حقيقة أن ما قام به بوتين، في حين أنها متجذّرة فيما تمارسة الدولة الروسية في الماضي، الّذي يمثل التوسع المثير. ويشمل هذا التصعيد ليس فقط عدد أكبر من الأكاذيب والأكاذيب اللعينة، ولكن أيضا المزيد من الدقة في استخدام موسكو التضليل بعناية لتحقيق مصالح روسيا في الداخل والخارج. لا يوجد أيّة حكومة أخرى في أي وقت مضى استخدمت هذا النّهج في السياسة وبهذه الفعالية؛ والقليل منها كان لها حاجة أكبر لمواجهتها إذا أرادت الدفاع عن كل من القيم وعن مصالحها.

ما يقوم به بوتين يطرح ثلاثة أسئلة: ما هو التضليل بالمقارنة مع أكاذيب بسيطة أو حتى أكاذيب لعينة؟ لماذا هي فعالة إلى هذا الحد؟ وكيف يمكن التعرف عليها ومواجهتها؟ تلك هي موضوعات هذه المقالة.

التضليل ليس هو الكذب

جميع الحكومات من وقت لآخر تكذب إما عن طريق السهو أو العمد في ممارسة السياسات، متستّرة على ما لا تريد أن يعرفه الناس عنها أو بشأن تقديم معلومات غير صحيحة أو مشوهة لصرف الانتباه أو لإقناع الناس بأن ما تريده الحكومة له ما يبرره. ولكن بعض الحكومات تستخدم التضليل على الرغم من أنه أيضا ينطوي على الكذب وحتّى أيضاً تهدف إلى الدفع بأجندة سياسية.

كما تصفها ناتالي غرانت (Nathalie Grant)، وهي السلطة الغربيّة الرائدة في التضليل، تضعها بشكل روتيني، يمكن أن يكون التضليل في الغالب، صحيح إلى درجة 99 في المئة. ما يجعل التضليل بأنّه المزيج الذكي لما هو صحيح، ما يريده الناس أن يكون صحيحا، وما هو زيف واضح ولكن الذي لن يلاحظه الكثيرين إذا تم تقديمه بذكاء. بالتالي، ما يعرف بالتضليل ليس النسبة  المؤيّة من الحقيقة أو النسبة المئوية من الأكاذيب التي يحتويها ولكن الطرق التي خطّط لها، وتم تنفيذها وفي نهاية المطاف قبلت أو رفضت. [2]

التضليل هو دائما سياسة مدركة وهو جزء من أجندة سياسية أكبر. انه ليس مجرد خيانة الأمانة من هذا المسؤول أو ذاك ردا على حدث معين. إنه يتم تنفيذه مع فهم واضح بأنه مزيج بين الحق والباطل هو مفيد وفعال. ويتّبع طالما أنه فعّال، وتتم التضحية به فقط عندما تكون هناك أسباب للاعتقاد بأنه إما غير ضروري أو أنّه لم يعد مقبولاً. كل تلك الأمور ميّزت نهج بوتين في المعلومات عن أوكرانيا، وهو نمط يجعل كل ما تقوم به موسكو مثير للقلق.

وخلافا لمعظم الحكومات الأخرى، فإن الحكومة الروسية لديها تاريخ طويل من الانخراط في حملات التضليل. النظام القيصري فعل ذلك، والنظام السوفياتي فعل ذلك، وبوتين يفعل ذلك في مسمياتها الحقيقيّة. خلال الأشهر الستة الماضية، قام نظام بوتين بوضع خطاب حول أوكرانيا والذي يحتوي على بعض الأشياء الحقيقية (إذا لم تكن هناك أشياء حقيقية، فإنه لن يكون هناك أساس للبناء عليها)، بعض الأشياء غير الصحيحة الّتي يريد الناس أن يصدّقوها لأنّهم يسمحون لأن يسمح لهم بأن يشعروا بالرضا عن أنفسهم أو لتعزيز مصالحهم الخاصة، وبعض الأشياء الخاطئة تماما الّتي لا يرفضها الناس بشكل قاطع لأنهم يرونها تتفق أو على الأقل لا تتعارض مع العنصرين الآخرين.

حملة تضليل بوتين حول شبه جزيرة القرم هي مفيدة بشكل خاص في هذا الصدد. وخطابه مزج بين الثلاثة عناصر. نعم، هذا صحيح، كما تصر موسكو: شبه جزيرة القرم لديها تاريخ طويل من العلاقات مع روسيا أكثر منها مع أجزاء أخرى من أوكرانيا. كلا، ليس صحيحا أن القرم هي “روسيّة” وفي نفس المعنى الذي فيه موسكو هي كذلك. ومن الواضح أنّه ليس صحيحا أن الإثنيّين الروس في شبه جزيرة القرم كانوا مضّطهدين ومقهورين وكانوا يحتاجون لأن يدافع عنهم من قبل قوات روسية من الخارج. لكن هذه الامور الثلاثة تضافرت معا، وحتى عززت بعضها بعضاً في أذهان الكثيرين.

بوتين يستخدم التضليل لأنه ذو مفعول

لقد صدم كلاً من المراقبين الغربيين والعديد من المعارضين الروس من نظام بوتين حيث أن ازدواجية موسكو حول الوضع في أوكرانيا كان فعالا جدا وبعث تصنيف بوتين مع الروس إلى آفاق غير مسبوقة. وقد ألقوا اللوم بذلك على الحقائق الماثلة بأن الروس بأغلبيّتهم السّاحقة يعتمدون على تلفزيون موسكو في أخبارهم، أن تلفزيون موسكو يسيطر عليه الكرملين،وأن الأقلاء من الروس لديهم حرية الوصول إلى أو على الأقل عندهم إمكانيّة الاستفادة من المصادر البديلة للمعلومات. وأشاروا إلى القمع المتزايد من قبل حكومة بوتين — للعودة لهذا النوع من الخوف الّذي شعر به الرّوس خلال معظم الحقبة السوفياتية – وذلك ليزعموا أن العديد من الروس قد يكونوا على استعداد ليقولوا بأنهم يدعمون بوتين أو يتّفقوا معه حتى عندما لا يفعلون ذلك.

بلا شك فإن كلا هذان العاملان يعملان، ولكن أي منهما لا يفسر لماذا كان جهد الكرملين في التضليل ناجحاً عند الروس. يحتوي ذلك على كل من أسباب أعمق وأكثر سطحية. من بين الأعمق الشعور بالضّيم على فقدان مكانة الدولة العظمى والانطباع بأن روسيا لديها الآن فرصة لاستعادة هذا المركز باستخدام القوة حيث أن الآخرين لن يعترضوا عليه. ويخشى الروس أيضا من أن تحول أوكرانيا إلى الغرب يمكن أن يعزلهم ويؤدي إلى ضعفهم. وأخيرا، هناك شعور عميق بين المواطنين الرّوس بأن السياسة هي عمل مؤامرات النخبة بدلا من الحركات الشعبية — وبالتالي، ما يحدث في أوكرانيا هو بالضرورة عمل قوى خارجية مثل حكومة الولايات المتحدة أو وكالة المخابرات المركزية (CIA).

على مستوى أكثر سطحية، أفلحت حملة بوتين للتضليل لأنها لعبت على كل هذه العوامل على وجه الدقة في وقت لم تسير فيه الأمور في روسيا على ما يرام. وكان الاقتصاد في حالة ركود أو تراجع، والنظام والكثير من الروس العاديين يرغبون في تحويل انتباههم إلى شيء آخر، أولمبياد سوتشي أو “حرب صغيرة ذات فائدة”. واجه بوتين تحديا لحكمه في العامين 2011-2012. العديد من الروس كانوا خائفين من ان البلاد قد تعود إلى فترة من عدم اليقين وعدم الاستقرار. بدورها، وفّرت حملة بوتين للتضليل بشأن أوكرانيا أسباباً للروس ولحاشيته وربما حتى له شخصياً إلى الاعتقاد بأن زعيم الكرملين يمكن أن ينجح في قيادة ذلك البلد إلى مستقبل أكثر إشراقا دون مخاطر عدم الاستقرار الذي يتبع بوجه تقريبي جميع الطّرق الأخرى المقترحة.

لكن كما كانت حملة تضليل بوتين فعّالة داخل روسيا، فقد كانت أكثر نجاحا خارج حدود هذا البلد. هذا النجاح لا يعود إلى كل مطالبات موسكو التي قبلت على أنها محقّة — وتلك ليست القضية بالتأكيد. كما أنه ليس بسبب وجود شبكة من العملاء الروس في البلدان الغربية — على الرغم من أن مثل هذه الشبكة موجودة بالتأكيد، وذلك بفضل ثقة موسكو بأن هذه الشبكات لن يتم اعتراضها، وكثير منها يعمل الآن بشكل علني تماما. بدلا من ذلك، عملت حملة بوتين للتضليل بسبب تغيير أساسي في الصحافة والتحليل الغربي. وجود عدد كبير من الناس في الحكومة ومجتمع الأعمال والمهن الأكاديمية التي تعتمد على الحفاظ على العلاقات مع الاتحاد الروسي؛ ورغبة العديد من الحكومات الغربية بأن لا تثير حفيظة بوتين بذكر أكاذيبه خشية أن يتصرف بشكل أسوأ من ذلك، وبقطع إمدادات الغاز عن أوروبا أو فوق ذلك غزو بلد آخر.

ليس من السائغ الحديث عن أيٍ من هؤلاء، لكن يجب مواجهة كل واحد منهم. أولا وقبل كل شيء، العديد من الصحفيين الغربيين يخلطون بين التوازن والموضوعية. وذلك يعني إذا كان أي شخص في وضع يؤهله لأصدار رواية عن الوقائع، لكن فظيعة،  وغالبا يقدم الصحفيون تقاريرا عنها على أنها من وجهات النظر هناك، خاصة إذا كان الوضع مشوشاً أو غير مؤكّد. وأنهم ربما يفعلون ذلك وفق طرق تعمل لمنفعة موسكو. وبالتالي، تنشر العديد من وسائل الإعلام الغربية ما “تقوله” موسكو، في حين يوصف أي بيان من الحكومة الأوكرانية بأنه “إدعاءات”. دائما، يدعى فعل ذلك بالموضوعية ولكن في واقع الأمر هو أي شيء ما عداها. بدلا من ذلك، إنها تعطي فرصة لحكومات مثل حكومة بوتين، والتي هي على استعداد للكذب ونشر أكاذيبها على نطاق واسع، وهي واثقة من أن ما تقوله، مع ذلك هو غير صحيح أو شنيع، ويتم نشر تقارير بشانه.

ثانياً، كما هو معروف، هناك الآن الكثير من الناس في الحكومة، ومجتمع الأعمال، والجانب الأكاديمي الّذين تعتمد مناصبهم ومكاسبهم أو مهنهم على الحفاظ على علاقات جيدة مع الفيدراليّة الرّوسيّة وإنهم ليسوا فقط غير مستعدين لتحدي التّضليل الرّوسي. في الواقع، فإنهم غالبا ما يكونوا على استعداد للترويج للمطالبات الروسية، ومرة ​​أخرى التي هي غير صحيحة وشائنة. هؤلاء الناس ليسوا عملاء لموسكو، كما يلمّح البعض، أو حتى “البلهاء المفيدون” الّذين تحدّث عنهم فلاديمير لينين. بدلا من ذلك، فهم جمهور هام، والقليل منهم مستعدون للتضحية بالترويج للحكومة، وأرباحهم الفصلية المقبلة، أو مكانتهم باعتبارهم مفكرين في المجتمع من خلال دعوة موسكو كونهم متجاوزين تضليلها. وعدم القيام بذلك أو حتى أكثر عبر تكرار خط موسكو كليا أو جزئيا، فإن مثل هؤلاء الناس يضمنون أن حملة الكرملين التضليليّة تعمل.

وثالثا، كما هو الحال المأساوي، العديد من الحكومات الغربيّة لن تتحدى ما تقوم به موسكو بسبب مخاوف من أنها ستكون عرضة لانقطاع إمدادات الغاز أو أنهم سيعتبرون بأنهم يسعون إلى استعادة الحرب الباردة. (والتهمة بأن الغرب يقوم بإحياء الحرب الباردة هي جزء لا يتجزأ من حملة التضليل الّتي تقوم بها موسكو لأنها تصرف الانتباه عن ما تقوم به، وتبرر الإجراءات الروسية، والأهم من ذلك يقيد الساسة الغربيين الذين لا يريدون أن يوصموا بأنهم أناس من الماضي). وبناء على ذلك، فإن معظم وليس كل الحكومات الغربية رفضت أن تشير إلى ما تقوله موسكو على أنّه كذب حتى مع أنهم رفضوا اتّخاذ أصناف الإجراءات الّتي يبدو بأن هذا الوضع يقتضيها.

ما يجعل هذا النمط داخل روسيا وخارجها مزعجاً جدا هو أنه ما لم يتم تغيير شيء أساسي، فإنه يتضمن عمليا أن الكرملين سوف يكون عنده كل حافز للمشاركة في أكثر، وليس أقل، من التضليل وأن حكومات أخرى سوف تخلص إلى أن هكذا إستراتيجية هي شيء يمكن توظيفه كذلك. طالما يعمل التضليل، سيكون هناك المزيد منه، وسيكون العالم مكانا حيث سوف تتدهور الثقة وكذلك يصبح العنف والتهديد بالعنف أكثر شيوعاً.

لأن استخدام وأكثر من ذلك انتشار التضليل يحمل معه مثل هذه المخاطر، من المهم بمكان أن تستجيب الدول الغربية بأساليب من شأنها أن تحد من هذه الإمكانيات. إن  ذلك سوف يتطلب ثلاث خطوات: أولا، أنه يتطلب بأن تعترف هذه الحكومات بأنها تتعامل مع التضليل وليس الأكاذيب فقط. ثانيا، وهو يعني أنه سيكون عليهم تطوير نوع من الخبرة لتحديد حالات محددة من التضليل الّذي تجري بداخله الحقائق والأكاذيب. وثالثا، سوف يستلزم النظر في أساليب لتقديم ردها سواء فيما يتعلق بالأتباع الأجانب اوالمحليّين منهم. لن يكون من السّهل تأكيد أي من هؤلاء. وسيكون بعضها من السهل الممتنع.

إن من السّهل ملاحظةالتضليل باعتباره استراتيجية وتكتيك، على الرغم من أن بعض الحكومات الغربية قد هيّأت للقيام بذلك، على الأقل في حالة روسيا بوتين. تعريف التضليل كما ذكر أعلاه هو مكان واحد للبدء. ولكن ما سيجعل من الصعب على الحكومات الغربية اتخاذها لهذه الخطوة هو أن التضليل الإعلامي هو جزء من حرب المعلومات، وحرب المعلومات هي مظهر أكثر أهمية من الحرب نفسها أكثر من أي وقت مضى. [3] إن القول بأن الحكومة تستخدم التضليل في مقابل الكذب هو شيء يوجد قليل من القادة الوطنيين وحتى عدد أقل من الدبلوماسيين على استعداد للتسليم به.

ومع ذلك، فعلى افتراض أنه يمكن التّغلب على التحدي السياسي — مع مخاطر عدم الإعلان عن شيء يمكن أن يكون حملة تضليل معترف بها بشكل صحيح هي أكبر من مخاطر القيام بذلك — الحكومات الغربية بحاجة إلى تطوير نوع الخبرات التي من شأنها أن تسمح لهم بتحليل حالات تضليل محدّدة. وهذا يتطلب تنمية الخبرات اللغوية ومجال الخبرة التي بقيت فاترة الهمّة لفترة طويلة جدا. الولايات المتحدة بحاجة لأناس لا يعرفون اللغة فقط ولكن أيضا التاريخ والثقافة للدول الأساسيّة في جميع أنحاء العالم وخصومها المحتملين. ونظراً للإضمحلال في مثل هذه الخبرات على مدى الجيل الماضي، فإنّ هذا لن يكون سهلاً. وكحد أدنى، سوف يتطلب استعادة برنامج الباب السادس من تعليم الدّفاع الوطني (NDEA) وتطوير المسارات الوظيفية في جميع أفرع الحكومة التي ستسمح للأفراد بأن يكون لهم مهنة شاملة دون الحاجة إلى التحول من مجال خبراتهم. وسوف يتطلب استعادة برامج الترجمة الحكومية مثل دائرة البث الإعلامي الخارجي (Foreign Broadcast Information Service). سيكون هناك تكاليف مالية مرفقة، ولكنها سوف تكون قليلة نسبياً.

التحدي الحقيقي هو الثالث: مواجهة حملات التضليل. ويعتبر كلاهما قضية فنية وسياسية. من الناحية الفنية، فإنه يتطلب تطوير قنوات لإيصال رسائل بديلة، بما في ذلك البث الدولي. ولو كانت الولايات المتحدة في مركز القدرة على البث باللغة الروسية إلى الناطقين بالروسية في أوكرانيا، فإن بوتين ما كان ليمكنه أن يحقق ما حقّقه. وإذا كان لدى الولايات المتحدة القدرة على البث إلى الشعب الروسي مباشرة، لما كان يمكن لموسكو أن تكون قادرة على تهيئة الرأي العام الروسي على الطريقة التي هي عليه.

إن عصر البث على الموجات القصيرة قد ولّى، والبث الإذاعيإف إم (FM)يتطلب أن تكون المحطات في معظم الحالات على أراضي البلد الذي يتم توجيهه إليها. إن ذلك يعطي حتما الحكومة المضيفة قيد السّطوة. إن تطور الإنترنت أمر هام، ولكنه ليس الحل التكنولوجي القائم بذاته والّذي يتخيّله العديد. ما هو ضروري هو الاستثمار في البث الفضائي المباشر إلى تلفزيونات البيوت حيث أن الولايات المتحدة والغرب يمكنهم تمرير رسائل إلى الشعوب مثل الروس الذين هم الآن أسرى تضليل وسائل إعلام حكومتهم. ومرة أخرى، فإن إنجاز ذلك لن يكون مجانياً، ولكن تكاليف عدم فعل ذلك ستكون أعلى. وإنها سوف تكون لا تزال أعلى إذا طوّرت كل من روسيا والصّين هذه القدرة أولاً.

لكن ستكون المهمة الأصعب هي مواجهة التضليل الّذي يجري إعادة بثّه ضمن نطاق البلدان الغربية من قبل النخب المهتمّة. إن إغلاق المؤسسات التي تعلن بصراحة مثل عملياتأندرانيك ميغرانيان (Andrannik Migranyan)  في نيويورك [4] أمر سهل، لكن جعل الحكومة تشارك في مواجهة التضليل داخل الولايات المتحدة سيكون أكثر صعوبة. إن ذلك يتطلب استعدادا من جانب الحكومة للتحدث عن مواضيع، إن لم يكن افراد، لأنه مرةً أخرى، إن تكاليف عدم القيام بذلك تكون أعلى من تلك التي تساهم في اتخاذ مثل هذه الخطوات.

ملاحظات:

Notes:

1. See, for example, the continually updated list of exposed Russian propaganda lies at: “Russia’s top 100 lies about Ukraine,” The Examiner, August 11, 2014, <http://www.examiner.com/list/russia-s-top-100-lies-about-ukraine>, accessed August 2, 2014.

2. For a concise summary of her views, see: Nathalie Grant, “Disinformation,” National Review, November 1960, <http://www.unz.org/Pub/NationalRev-1960nov05-2g00041>, accessed August 12, 2014.

3. On this point, see the various works of Paul W. Blackstock, especially: The Strategy of Subversion(Chicago, 1964).

4. Andranik Migranyan is director of the Institute for Democracy and Cooperation? in New York, which is responsible for promoting Moscow’s views in the United States. He gained notoriety earlier this year when he suggested that Adolf Hitler would have gone down in history as the greatest German leader of all time if he had stopped before invading Poland.

المصدر:

 http://www.jamestown.org/single/?tx_ttnews%5Btt_news%5D=42745#.U–0dfmSyn8

Share Button