أسطورة الإذلال الروسي

أسطورة الإذلال الروسي 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر مراسم الترحيب حيث يتفقد السفينة الحربية نائب الاميرال كولاكوف (Kulakov) المضادة للغواصات في ميناء نوفوروسيسك، وذلك في 23 سبتمبر/أيلول، 2014 ريا نوفوستي / رويترز
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر مراسم الترحيب حيث يتفقد السفينة الحربية نائب الاميرال كولاكوف (Kulakov) المضادة للغواصات في ميناء نوفوروسيسك، وذلك في 23 سبتمبر/أيلول، 2014
ريا نوفوستي / رويترز

الكاتبة: آن أبلباوم (Anne Applebaum)

 17 أكتوبر/تشرين الأول 2014 

ترجمة: عادل بشقوي

20 أكتوبر/تشرين الأول 2014 

إذا نظرنا إلى الوراء على مدى ربع قرن الماضي، فإنه ليس من السهل تسمية سياسة غربية يمكن أن توصف حقاً بأنها ناجحة. فإن تأثير المساعدات الغربية مختلف عليه. وكانت التدخلات الغربية في الشرق الأوسط كارثية.

لكن هناك سياسة غربية واحدة تبرز بوصفها نجاحا مدهشاً، خاصة عندما تقاس بالتوقعات المنخفضة التي بدأت: دمج وسط أوروبا ودول البلطيق بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وبفضل هذا المشروع المزدوج، تمتع أكثر من 90 مليون نسمة بالأمان والازدهار النسبيّيْن لأكثر من عقدين من الزمن في منطقة ساعد عدم إستقرارها التاريخي على شن حربين عالميّتين.

إن هذان “التوسعان”، اللذين كانا متوازيين وغير متطابقين (بعض البلدان أعضاء في إحدى المنظمتين ولكن ليس في الأخرى)، كانا بشكل تحوّلي حيث لم تكن بشكل قفزات مباشرة، وتنطبق على ذلك كلمة “توسع”، ولكن من خلال مفاوضات بطيئة. وقبل الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، كان على كل بلد أن يوطّد سيطرة مدنية على جيشه. وقبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، اعتمدت كل دولة منها قوانين متعلقة بالتجارة والقضاء وحقوق الإنسان. ونتيجة لذلك، أصبحت هذه البلدان ديمقراطيات. كان هذا “ترويجاً للديمقراطية” يعمل كما لم يسبق أن حدث من  قبل أو منذ ذلك الحين.

ولكن الزمن يتغير، وأصبح التحول الخارق لمنطقة غير مستقرة تاريخيا واقعاً مضجراً. فبدلا من الاحتفال بهذا الإنجاز في الذكرى 25 لسقوط جدار برلين، من المألوف الآن أن نجد فريقاً آخر ارتأى أن هذا التوسع، وما يخص حلف شمال الأطلسي على وجه الخصوص، كان مخطئا. ويتم “تذكّر” هذا المشروع بشكل غير دقيق كنتيجة “لانتصار” أمريكي أذل روسيا بطريقة ما من خلال جلب مؤسسات غربية إلى جوارها المتهالك. وعادة ما تستند هذه الفرضية على التاريخ المحرّف الّذي يروج له النظام الروسي الحالي – وهذا خطأ. 

وللتوثيق: لم توقّع معاهدات مع روسيا في أي وقت مضى تحظر توسع الناتو. ولم تُنْقَضْ الوُعود. ولم يأتي دافع توسيع الناتو من واشنطن “المنتصرة”. فعلى العكس من ذلك، رفضت روسيا جهود بولندا لتطبيقها في عام 1992. أنا أتذكر جيدا رد الفعل الغاضب من سفير الولايات المتحدة في وارسو في ذلك الوقت. لكن بولندا وغيرها استمرت، لأنهم على وجه التحديد كانوا يشهدون بالفعل علامات الإنتقام الروسي القادم. 

عندما أخذ التوسع البطيء والحذر مساره في نهاية المطاف، بذلت جهود مستمرة لطمأنة روسيا. لم توضع أي قواعد لحلف شمال الاطلسي في الدول الأعضاء الجديدة، وحتى عام 2013 لم تجر أية مناورات عسكرية هناك. وتم الإتفاق بين روسيا وحلف شمال الاطلسي في عام 1997 وتم التعهد بعدم تحريك المنشآت النووية. أنشئ مجلس الناتو – روسيا في عام 2002. واستجابة للاعتراضات الروسية، رفض في الواقع ضم أوكرانيا وجورجيا في خطط عضوية حلف شمال الاطلسي في عام 2008. 

وفي الوقت نفسه، ليس فقط ان روسيا لم يتم “إذلالها” خلال هذه الحقبة، إلا أنه تم منحها كأمر واقع وضع “قوة عظمى”، جنبا إلى جنب مع المقعد السوفياتي في مجلس الأمن في لأمم المتحدة والسفارات السوفياتية. تلقت روسيا أيضا الأسلحة النووية السوفياتية، وتم نقل بعضها من أوكرانيا في عام 1994 في مقابل الاعتراف الروسي بالحدود الأوكرانية. تعامل كلا الرئيسين كلينتون وبوش مع نظرائهما الروس كزملاء وقادة “لقوة عظمى” ودعوهما إلى الانضمام إلى مجموعة الثماني (Group of Eight) — على الرغم من أن  روسيا، لا هي اقتصاد كبير ولا هي ديمقراطية، حيث لم تتأهّل لذلك. 

خلال هذه الفترة، فإن روسيا، وعلى عكس وسط أوروبا، لم تسع قط إلى تحويل نفسها على غرار الطرق الأوروبية. بدلاً من ذلك، تولى ضباط الكي جي بي السابقين المعروفين بولائهم المعلن بوضوح للنظام السوفياتي واستولوا على الدولة في تحالف مع الجريمة المنظمة، وسعوا إلى منع تشكيل المؤسسات الديمقراطية في الداخل والعمل على تقويضها في الخارج. وعلى مدى العقد الماضي، سعت هذه الزمرة السارقة أيضا إلى إعادة إنشاء إمبراطورية، وذلك باستخدام كل ما يمكن من هجمات الكترونية على إستونيا إلى غزوات عسكرية لجورجيا والآن لأوكرانيا، في انتهاك واضح لتلك الاتفاقيّة في عام 1994 – تماما كما خشي الأوروبيون في وسط أوروبا. 

حينما نتذكر ما حدث بالفعل خلال العقدين الماضيين، وفي تعارض لقبول رواية النظام الروسي، تبدو أخطائنا مختلفة. في عام 1991، لم تعد روسيا قوة عظمى سواء من ناحية السكان أو من الناحية الاقتصادية. فلماذا لم ندرك الواقع، ونصلح الأمم المتحدة ونعطي مقعد مجلس الأمن إلى الهند أو اليابان أو غيرها؟ روسيا لم تحول نفسها على غرار الطرق الأوروبية. لماذا نستمر في التظاهر بأنها فعلت ذلك؟ في نهاية المطاف، واستخدامنا لكلمة “ديمقراطية” لوصف النظام السياسي الروسي أفقد الكلمة مصداقيتها حتّى في روسيا نفسها.

الأزمة في أوكرانيا، واحتمال حدوث أزمة أخرى في حلف الناتو نفسه، ليس نتيجة انتصارنا ولكن لفشلنا في الرد على خطاب روسيا العدواني وعلى إنفاقها العسكري. لماذا لم نحرك قواعد الناتو شرقا قبل عقد من الزمن؟ وقد أدى فشلنا للقيام بذلك الآن إلى هبوط مرعب للثقة في وسط أوروبا. الدول الأخرى الحريصة في المساهمة في التحالف هي الآن متخوّفة. سلسلة من الاستفزازات الروسية تقلق منطقة بحر البلطيق: الإختراق المتواصل للمجال الجوي السويدي، وخطف ضابط أمن إستوني. 

كان خطأنا ليس إذلال روسيا ولكن لنقلل من روح الانتقام والتحريف وإمكانيات التخريب. إذا كان الإنجاز الغربي الحقيقي الوحيد في ربع القرن الماضي هو الآن تحت التهديد، فذلك لأننا فشلنا في أن نضمن ان حلف شمال الاطلسي لا يزال يعمل في أوروبا كما كان مفترضاً أن يعمل دائما: الردع. فالردع ليس سياسة عدوانية؛ إنّه سياسة دفاعية. ولكن من أجل العمل فإن الردع يجب أن يكون حقيقيا. إنه يتطلب إستثماراً، وتماسكاً ودعماً من كل الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة. أنا سعيدة بإلقاء اللوم على الانتصار الأمريكي لأشياء كثيرة، ولكن أتمنى لو كان المزيد منه في أوروبا.

المصدر:

http://www.washingtonpost.com/opinions/anne-applebaum-nato-pays-a-heavy-price-for-giving-russia-too-much-credita-true-achievement-under-threat/2014/10/17/5b3a6f2a-5617-11e4-809b-8cc0a295c773_story.html

Share Button