دخول الإسلام بلاد القوقاز

دخول الإسلام بلاد القوقاز

أ. الفتوحات الإسلامية في القوقاز

يتفق معظم المؤرخين أن أول دخول للفتح الإسلامي لمنطقة القوقاز كان عام 639م، ولكن انتشار الإسلام كان بطيئا لعدة أسباب أهمها:

 الطبيعة الوعرة لجبال القوقاز، فتلك المرتفعات التي قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من خمسة آلاف متر، لم تكن من التضاريس المألوفة للعرب الذين أتقنوا القتال في السهول والصحاري المنبسطة.

أن المنطقة تتنازعها عدة ديانات ومذاهب مثل المسيحية، واليهودية، والزرادشتية والمانوية الفارسية·    

وجود دولة الخزر في أذربيجان وداغستان، وكانت خاضعة لمشيئة اليهود الذين قاوموا الفتوحات الإسلامية مقاومة عنيفة·     

دعم الإمبراطورية البيزنطية للكرج في جورجيا، والأرمن في أرمينيا للوقوف في وجه المد الإسلامي.

ب. ويقسم المؤرخون دخول الإسلام إلى بلاد القوقاز إلى ثلاث مراحل

الفتوحات الإسلامية: أدرك المسلمون أهمية إيصال رسالتهم للقوقازيين، ولذلك لم تنقطع محاولاتهم لاختراق معاقلهم، وكان أول اختراق عربي إسلامي لمنطقة القوقاز عام 639 م في منطقة أذربيجان، ثم استطاعوا بسط نفوذهم على ممر دربند، أو باب الأبواب كما سماه المسلمون عام 643 م، وسيطروا على أذربيجان وأرمينيا وجورجي (بلاد الكرج) وسمحوا لحكام هذه المناطق بالاحتفاظ بديانتهم المسيحية. ويقول آرثر كوستلر: إن المسلمين حاولوا التوغل في جبال القوقاز، لكنهم اضطروا للتراجع. وفي الفترة الممتدة بين 643 – 752 م عادوا من جديد ليخترقوا ممر دربند، ونجحوا في التوغل في بلاد الخزر، وحاولوا الاستيلاء على “بلادنجار”، أكبر مدن الخزر حتى يقيموا لهم موقعا على الجانب الأوروبي من القوقاز، لتتخذ منه قواتهم قاعدة لزحف جديد، لكنهم لم يفلحوا في ذلك رغم تكرار محاولاتهم. ودارت آخر معركة بين المسلمين والخزر سنة 652 م استخدم فيها الطرفان المرجام، وهو لإطلاق الحجارة، والمنجنيق لرمي القذائف. وقد استشهد في هذه المعركة أربعة آلاف مسلم من بينهم قائدهم المشهور عبد الله بن ربيعة. ويورد كوستلر أن المسلمين لم يقوموا طيلة السنوات الثلاثين أو الأربعين التالية بأية محاولة لشن غارات على معاقل الخزر، وانشغلوا بشن هجماتهم الرئيسية نحو بيزنطه. وفي مرات عديدة في الأعوام: 669 و 673 و 678 و 718 م حاصروا القسطنطينية برا وبحرا، واستطاعوا أن يلتفّوا حول العاصمة عبر جبال القوقاز وحول البحر الأسود، وكان من المحتمل أن يتقرر في ذلك مصير الدولة البيزنطية، ومن المؤكد أن الصراع العربي – الخزري على القوقاز قد بلغ ذروته بين الفترة 730 – 745 م.

وفي مرحلة من مراحل تلك الحروب التي استمرت خمسة عشر عاما اجتاح الخزر جورجيا وأرمينيا وهزموا المسلمين في معركة “أردبيل” في أواخر سنة 730 م، وتقدموا حتى وصلوا الموصل وديار بكر، لكن هذا الهجوم الخزري أخفق في التقدم نحو دمشق عاصمة الخلافة. ورد الخزر على أعقابهم بعد هزيمة نكراء. وفي العام التالي نجح القائد المسلم المظفر مسلمة بن عبد الملك الذي سبق له أن قاد حصار القسطنطينية في انتزاع “بلادنجار” من الخزر، وواصل تقدمه حتى “سمندار”، وهي من المدن الكبيرة في الشمال. وفي عهد مروان بن محمد الأموي ( 734-743 ) تمكن المسلمون من هزيمة الخزر نهائيا في أذربيجان والأجزاء الجنوبية الشرقية من داغستان. وبالرغم من أن القائد مسلمة بن عبد الملك تمكن من فتح معظم الأجزاء الباقية من داغستان في الأعوام 734 – 743 م وخضع له حكام تلك المناطق من سكانها الوطنيين، فإنه كان خضوعا اسمياً، إذ عندما ضعف الحكم الإسلامي ارتد هؤلاء الحكام إلى ديانتهم السابقة. أما بلاد جورجيا والأرمن والمناطق الجنوبية من القوقاز فقد استمر الحكم الإسلامي فيها مدة طويلة، ولكن في نهاية العصر العباسي بدأت عناصر الحكم الإسلامي تضعف في منطقة القوقاز الجنوبي والأجزاء الشرقية الساحلية من داغستان، وانقسمت تلك البلاد إلى عدة دويلات محلية، مما سهل على السلاجقة في آسيا الصغرى احتلال هذه المناطق بعد أن نجحوا في احتلال إيران وخوارزم ومعظم أسيا الوسطى. وانتعش الإسلام مرة أخرى في تلك المناطق تحت حكم السلاجقة، وامتد إلى جبال داغستان ووسطها وشمالها. أما الأجزاء المتاخمة لبلاد داغستان وهي بلاد الشيشان الوثنيين والانجوش المسيحيين فبقيت ديانتها.

 أثر المغول والتتار في انتشار الاسلام في القوقاز: لقد أدى ظهور المغول والتتار على مسرح الأحداث في العالم الإسلامي وقيامهم بتدمير بغداد ومدن بلاد الشام إلى إضعاف الإسلام في مناطق القوقاز، وارتد كثير من شعوب القوقاز إلى الدين المسيحي، وذلك لأن طلائع المغول كانوا بوذيين أو نصارى. ولكن التحول الكبير لصالح الإسلام بدأ عندما تولى بركه خان ابن جوجي ابن أخ جنكيز خان حكم القبيلة الذهبية، وذلك سنة 1256م، وكان بركه خان قد دخل في الإسلام منذ طفولته، واستمر حكم بركه خان إلى سنة 1276م، وتحول في أثنائها معظم أفراد القبيلة الذهبية إلى الإسلام. وامتد سلطان تلك القبيلة من تركستان إلى روسيا وسيبريا، وحكموا موسكو نفسها. وقد أقاموا مدينة “قازان” الشهيرة شمالي نهر الفولغا لتكون عاصمتهم، وهكذا اعتنق المغول الإسلام وتحمسوا له، وحكموا باسمه أمدا طويلا. أما العصر الذهبي للإسلام في منطقة القوقاز فقد كان في عهد تيمورلنك (1336 – 1405)، الذي احتل أذربيجان وداغستان، وأصبح الإسلام راسخا فيهما منذ عام 1385. واهتم تيمورلنك شخصيا بالقضاء على كل ما يتنافى مع الإسلام في أذربيجان وداغستان، وأصبح الإسلام هو الدين الوحيد لشعب “اللاك” في وسط داغستان، وهؤلاء أصبحوا بدورهم حماة الإسلام في الداغستان ضد المسيحية والوثنيين هناك. واتخذ اللاك مدينة غزي – قمق عاصمة لهم ومركزا إسلاميا رئيسيا في داغستان، ومن هذا المركز انطلق الدعاة الأوائل لنشر الإسلام ووصلوا إلى الشيشان وقبائل القمق التركية في داغستان والتي كانت مثل الشيشان لا تزال وثنية. ويذكر أن تيمورلنك وجه ضربة عنيفة لأكبر قوة مسيحية في وسط وشمال القوقاز وهي مملكة “الآلان”، وهم أجداد شعب الأوستين الذين يعيشون اليوم في أوسيتيا الشمالية والجنوبية. وفي عهد تيمورلنك دخلت معظم شعوب داغستان في الإسلام، وفي نهاية القرن الخامس عشر ظهرت قوتان إسلاميتان في القوقاز الشمالي، وهما الدولة العثمانية وخانية القرم. وكان لهاتين القوتين الفضل في تحول الأبخاز من المسيحية إلى الإسلام وكذلك شراكسة الغرب “الأديغيون” وشراكسة الشرق “القبارطيون” والأباظة. أما في القوقاز الجنوبي الشرقي فإن الدولة الصفوية في إيران قامت بغزو “دربند” وخانية “شيروان” في عام 1538م، وبالتالي فإن المذهب الشيعي أصبح هو السائد في أذربيجان. وفي منتصف القرن السادس عشر انتشر المذهب الشافعي في داغستان، بينما انتشر المذهب الحنفي في شمال غرب القوقاز.

 دور العثمانيين في انتشار الإسلام في القوقاز: بدأ التوجه الروسي إلى منطقة القوقاز عام 1556م، وكان هذا التحول بداية حرب بين الإسلام والمسيحية، وبدأ تحركهم المنظم ببناء مستعمرات وقلاع حصينة على امتداد نهر “ترك”، وتركوا حمايتها لشعوب القوزاق المسيحية، وبادرت روسيا بإرسال المنصّرين إلى شمالي القوقاز، وظهرت أولى الكنائس في مقاطعة “بيسلاني” بقبارطاي، وفي أوسيتيا المجاورة، فاضطر العثمانيون وخانات شبه جزيرة القرم للتصدي لهذا التوسع الروسي في شمال القوقاز. وقام خان القرم بحملة عسكرية على قبرطاي عام 1558م وأحرقها عقابا لها على تحولها إلى المسيحية وتحالفها مع الروس أعداء المسلمين. وفي عام 1594م أرسل الروس حملة عسكرية إلى شمال داغستان، فتصدت لها قوة مشتركة من الأتراك والتتار والداغستانيين، وهزمت الروس بعد معركة شرسة. ولكن الروس عادوا مرة ثانية عام 1604م بقوة عسكرية أخرى، وهزموا خان القرم. وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، كثف خانات القرم والعثمانيون جهودهم لنشر الدين الإسلامي في الأجزاء الشمالية الغربية والوسطى من شمال القوقاز. وفي عام 1717م نشط العثمانيون وخان القرم “دولة جيراي” ، ومن بعده “خان جيراي” في الدعوة للإسلام بين الشراكسة، وقد ساهم “علي فرح باشا” الوالي العثماني مساهمة كبيرة في نشر الإسلام، حيث جلب العلماء من الآستانة، وبنى المساجد، وجعل من “أنابا” عاصمة لولايته على ثغر البحر الأسود، ومركزا رئيسيا للدين الحنيف. ومن “أنابا” انتشر الإسلام في عموم شمالي القوقاز بما في ذلك الشيشان، وهكذا أصبح عامة الشراكسة مسلمين.

  

                         مدير الموقع                   

        شامل محمدوف الداغستاني الكمراوي

                 شامل محمدوف

http://al-gimravi-ara.ucoz.ru/index/0-20

Share Button