كيف يمكن الاتفاق مع بوتن؟

تاريخ النشر

06 / 12 / 2014

كيف يمكن الاتفاق مع بوتن؟ * دومينيك مويسي

الغد – بروجيطت سينديكيت – باريس- في المواجهة الجارية مع روسيا بشأن أوكرانيا، كان ضَعف السياسة الأوروبية وانقساماتها من الأسباب التي شَجَّعَت الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بقدر ما شَجَّعَه النهج المتردد الذي تبنته أميركا في التعامل مع المشكلة السورية. وإذا كان لأوروبا أن تتصرف بمسؤولية، فلا بد أن تتحدد سياستها في التعامل مع روسيا على ضوء ثلاثة مفاهيم رئيسية: الحزم، والوضوح، والرغبة في التوصل إلى تسوية مقبولة.

أولاً، في غياب الحزم، لن يتحقق أي شيء. ولا شك أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ارتكبت العديد من الأخطاء في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. وبوسعنا أن نتهم الولايات المتحدة بشكل خاص بالتصرف بقدر كبير من الغطرسة وامتهان كرامة روسيا بلا أي داع. ولكن زوال الاتحاد السوفييتي كان نتيجة لسلسلة طويلة من الأخطاء والعثرات، بدءاً بعجز روسيا ما قبل الحقبة السوفياتية عن التصالح مع الحداثة. وما يزال لزاماً على قادة روسيا ما بعد الحقبة السوفياتية أن يواجهوا تلك الإخفاقات.

من خلال تبني موقف رجعي عدواني، ارتكب بوتن خطأً تاريخياً واستراتيجياً، في حين كان ينبغي له أن يتبنى نموذج بطرس الأكبر، وأن يطمح إلى ربط مستقبل روسيا بمستقبل أوروبا. غير أن بوتن استمد الإلهام من نيقولا الأول، أكثر قياصرة روسيا رجعية في القرن التاسع عشر.

قد يكون بوسعنا أن ندرك مدى فشل سياسة بوتن بعقد مقارنة بين روسيا والصين. ولم تكن الفجوة بين البلدين -من حيث سلوك كل منهما وإنجازاته- في أي وقت مضى أعظم مما هي عليه الآن. وفي قمة مجموعة العشرين الأخيرة في بريسبان، استخدمت الصين أوراقها ببراعة شديدة، فأبرزت حُسن نواياها، وخاصة في ما يتصل بقضية تغير المناخ. وفي الوقت نفسه، بدت روسيا وكأنها حريصة على عزل نفسها، في تصرف مثير للشفقة، وخاصة في ضوء العواقب الوخيمة التي ستحل على اقتصادها بسبب عزلتها. وبالفعل، تُشرِف سوق البورصة في روسيا على الانهيار، كما خَسَرَت عملتها 30% من قيمتها، وانخفضت أسعار النفط والغاز -الدعامة الأساسية لميزانية الكرملين- بأكثر من 25%. وعلى النقيض من اقتصاد الصين، يعتمد اقتصاد روسيا بشكل كبير على مواردها من الطاقة، الأمر الذي يجعلها عُرضة للمخاطر عندما تتجه أسواق الطاقة العالمية إلى الهبوط.

تكمن قوة بوتن الوحيدة في ضعف أوروبا وترددها في اتخاذ القرار. ولذلك، لا بد أن يتلخص هدف أوروبا الآن في رسم حدود واضحة لطموحات بوتن. وسواء كان يسعى إلى إضعاف أوكرانيا أو توسيع رقعة أراضي روسيا، فيجب أن تكون استجابة أوروبا حازمة. ولا بد من إقناع بوتن بأنه لن يتمكن من تحقيق أي من هاتين الغايتين من دون أن يتكبد ثمناً لن يتحمله الروس عن طيب خاطر.

بالنظر إلى سلوك الكرملين الغامض -إن لم يكن سياسة الخداع التي ينتهجها عمداً، يبدو من الواضح أنه لا يجب أن تقوم فرنسا بتسليم روسيا السفينة الحربية الهجومية من فئة ميسترال التي وافقت في وقت سابق على بيعها لها. ومن الأفضل كثيراً بالنسبة لفرنسا أن يُنظَر إليها بوصفها تاجر سلاح لا يمكن الاعتماد عليه بدلاً من اعتبارها عنصراً استراتيجياً غير مسؤول ولا يهتم بغير مصالحه التجارية البحتة.

ويجب أن يكون الحزم مصحوباً بالوضوح. ذلك أن بوتن لم يَعُد ذلك الزعيم الذي كانه عندما وصل إلى السلطة في العام 2000، وليس حتى الزعيم الذي كانه في العام 2008، عندما استولى على أجزاء من جورجيا بالقوة. وتحت حُكمه الاستبدادي متزايد المركزية، جمع بوتن بين القومية الدينية المتطرفة وتكتيكات وممارسات الحقبة السوفياتية. وهذا مزيج خطير وقابل للاشتعال، ويعتمد على المبادئ والأساليب التي قادت الإمبراطوريات الروسية، القيصرية والسوفياتية، إلى الفشل والخراب.

لا غنى عن الحزم والوضوح بكل تأكيد. ولكنهما لا يكفيان لصياغة سياسة أوروبية متماسكة. فلا يمكن أن يكون الهدف ببساطة احتواء روسيا، وإنما يجب التوصل إلى تسوية. صحيح أن روسيا تفتقر إلى السبل اللازمة لتحقيق أهداف بوتن، ولكن بقية العالم يحتاج برغم ذلك إلى تعاون الكرملين ونواياه الحسنة في متابعة جهود مثل احتواء طموحات إيران النووية، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

لكنه ما دامت روسيا عازمة على تحقيق نتائج غير مقبولة، فضلاً عن تلميحاتها إلى الجاهزية النووية، فإن التوصل إلى تسوية لن يكون بالمهمة السهلة. إن بوتن بعيد كل البعد عن أن يكون شريكاً مثالياً في أي جهود رامية إلى التوفيق بين المبدأين الرئيسيين في القانون الدولي: حق أي شعب في تقرير مصيره، وحُرمة الحدود الوطنية. ولكن القيام بهذا ليس بالأمر المستحيل.

ينبغي لأي تسوية أن تعالج مستقبل شبه جزيرة القرم، التي أصبحت الآن تحت السيطرة الروسية، وأن تصون استقلال أوكرانيا. ولا بد من إقناع بوتن بأنه خسر أوكرانيا عندما اغتَنَم شبه جزيرة القرم. ومن جانبهم، يتعين على قادة أوكرانيا أن يتعهدوا بعدم الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، في مقابل قبول روسيا لحق أوكرانيا في الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. ولا بد أن يعقب ذلك إزالة العقوبات تدريجياً، والسماح لكل الأطراف بتركيز طاقاتها على أولويات أخرى، سواء كانت اقتصادية أو استراتيجية.

في مفاوضاتها مع روسيا، تحمل أوروبا بين يديها الأوراق الأقوى. لكنها إذا لم تُحسِن استغلال هذه الأوراق، كما كان حالها حتى الآن، فسوف يستمر بوتن في الفوز في كل مواجهة بين الطرفين.

 

*أستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس، وهو مستشار رفيع للمعهد الفرنسي للشؤون الدولية، وأستاذ زائر في كينغز كوليج في لندن. مؤلف كتاب: “الجغرافيا السياسية للعاطفة: كيف تقوم ثقافات الخوف، والإهانة والأمل بتشكيل عالمنا”.

*خاص بـ_، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.

http://www.sahafi.jo/files/c356deaef582bd0d6c0a12c6bfe14e24221068b6.html

Share Button