الروس لم يتماسكوا كأمة لأن الدولة الروسية أصبحت إمبراطورية أولاً، يقول مؤرخ من سانت بطرسبرغ

الثلاثاء 13 يناير/كانون الثّاني 2015

الروس لم يتماسكوا كأمة لأن الدولة الروسية أصبحت إمبراطورية أولاً، يقول مؤرخ من سانت بطرسبرغ

بول غوبل (Paul Goble)

 ترجمة: عادل بشقوي

18 يناير/كانون الثّاني 2015

             ستاونتون 13 يناير/كانون الثّاني – وفقاً لما قاله يفغيني أنيسيموف (Yevgeny Anisimov) وهو باحث في مؤسّسة   سانت بطرسبرغ للتاريخ (St. Petersburg Institute of History)، فإن استمرار هيمنة العقلية الإمبريالية بين الروس وفشلهم في التماسك كأمة يعكس حقيقة أن الدولة الروسية أصبحت إمبراطورية قبل أن يتكوّن الشعب الروسي معا كأمّة.

             في مقال له يتألّف من 3700 كلمة هذا الأسبوع، يقول أنيسيموف أن “الوعي القومي الروسي كظاهرة مكتمله، وكمجموعة أفكار مختلفة ومشاعر إجتماعية في تقييمها لنفسها والعالم لا يزال لم يتخذ شكلاً، لأنه قبل أن يشعر الروس أنفسهم بأنّهم أمّة، عَرّفوا أنفسهم بأنّهم إمبراطورية” (asiarussia.ru/news/5718/).

             ويقول أنّهُ “بفضل التوسع العظيم للدولة الاستبدادية، فإنّهُ تقريبا من بداية القرن السادس عشر، نشأت إمبراطورية روسيّة، وأصبحت قيمها هي قيم إدراك الشعب الروسي. بعدها تم دمج القيم التقليدية لما قبل الإمبراطورية معهاحيث غيرت في بنية الأيديولوجية والفكر والسياسة الإمبراطوريّة، وانصهرت برسوخ معها”.

             ويقول أنيسيموف، في حين أن لكل إمبراطورية “نفس النّهاية”، إلا أن لكل منها بدايات مميّزة خاصّة بها. وروسيا هي الآن استثناء، ويشير المؤرخ إلى أربعة “أسباب” محدّدة والتي حسبما يقول “كيّفَتْ السّمات المحدّدة للنموذج الروسي للإدراك الإمبراطوري”:

             الأول، يقول: تلك التي تعكس التطور التاريخي الداخلي في روسيا. هنا، شملت هذه “السلطة الاستبدادية والقمعية أساساً من المستبدين في موسكو، وعقلية الاستعباد للشعب التي تأتّت من الرق، حيث أن التسلسلات الهرمية ليست من الذل ولكن من عبيد الدولة” مع وجود “مزاج سائد للعبودية”.

             الثاني، تلك التي تعكس الطريقة التي تشكلت فيها دولة موسكو على أساس صراع في المقام الأول مع إمارات روسية أخرى. “وما يُسمّى {توحيد الأراضي الروسية حول موسكو} كان في الواقع حرباً أهلية مستمرّة وتحوّل إلى ميدان للمعركة الّتي اختبرتها العديد من مبادئ السياسة الإمبراطورية للمستقبل”.

             من وجهة نظر موسكو، “كانت الفتوحات الإستعمارية استمرارا لإخضاع إمارات روسية ذات سيادة، لتشكيلات الحالة الطبيعية على أساس انها انقسمت على الأسس التي حطّمت كييف روس (Kievan Rus) القديمة والتي كان لديها من حيث المبدأ ميل نحو وجود قومي مستقر كما هو مبين في تاريخ تفير (Tver) ونوفغورود (Novgorod) وبسكوف (Pskov)”.

             الثالث، ويكمل أنيسيموف، “هناك تقليد الفكر الروسي في القرون الوسطى مع أفكاره المميزة إزاء دور خاص معين بالنسبة لروسيا والروس في تاريخ العالم — ‘موسكو هي روما الثالثة’، والوحدة الدينية الأرثوذكسية الإستثنائية،  و’حق روسيا في  ‘ميراث’ بيزنطة”، تلك هي أفكاراً استمرت حتى يومنا هذا ولكن في أشكال مختلفة.

             والرابع، كانت هناك تلك المزايا التي عكست قبول الأمم العالميّة والجيو – سياسية على نطاق أوسع في العالم  “’قواعد اللعبة الإمبريالية’”، “الذي افترض تقسيم العالم بين قوى عظمى والذي لا يمكن لروسيا أن تُخذل في أن تجد لنفسها الحق في الحصول على جزء منه.

             ويقول، إن فكرة تقسيم العالم على الإمبراطوريات هيمن على العلاقات الدولية من معاهدة ويستفاليا (Treaty of Westphalia) إلى يالطا (Yalta) في عام 1945. واضاف، و”روسيا، مثل الإمبراطوريات الأخرى كذلك، قبلت فكرة تقسيم العالم إلى مناطق للحكم والنفوذ … حتى في الوقت الذي حلمت فيه سرا بحكم العالم”. وبدون هكذا أحلام، “ما كان يمكن لأية إمبراطورية أن تبقى”.

             ساهمت كل هذه العوامل الأربعة في تشكيل الفكر الإمبراطوري بين الروس، ويقتفي أنيسيموف أثر الطريقة التي استمرت، مع شروط جديدة تأخذ مكان القديمة حيث تم استبدال الإمبراطورية الروسية بالإتحاد السوفياتي الذي حلّت مكانه الفيدراليّة الرّوسيّة ولكن مع بقاء الأنماط الكامنة كما هي”.

             ومن بين العديد من ملاحظاته، فإن هذه هي بعض من أكثر ما يثير الإهتمام: يقول أنيسيموف أن هذه مجتمعة تجعل من المستحيل بشكل فعلي على الروس أن يتصوّروا أن السلاف الآخرين، مثل الأوكرانيين هي شعوب متباعدة ناهيك عن أنه يجب أن يكون لها دول مستقلّة. بدلا من ذلك، فإنّه بالنسبة للروس، يتم إعتبار الأوكرانيين أنّهم من الروس “الذين يتحدثون لغة روسيّة رديئة”.

ويقول المؤرخ إنّهُ بالإضافة إلى ذلك، فإن الروس وبسبب أن إحساسهم الإمبراطوري لم يميز بين ما يسمونه تجميع الأراضي الروسية وضم أراضٍ أخرى لها، لأنّه لذلك فهي ليست حول الهوية العرقية – الوطنية ولكن حول الوفاء للسيادة — وبالتالي في العهد السوفياتي، كان يمكنهم حتّى التحدث عن بلغاريا باعتبارها “الجمهورية السوفياتية السادسة عشرة”.

إن الفشل في إيجاد فوارق والإعتقاد أن كل شيء كان عن الولاء السياسي، كان له نتيجتين أخرتين. فمن جهة، أصر الروس على أن جميع حالات الضم هي طوعيّة بينما هي في الواقع ليست كذلك. ومن ناحية أخرى، فقد أصروا على أنه لا رجعة فيه حتى عندما لم يكن الحال مع الإمبراطوريات الأخرى كذلك.

الروس طوال تاريخهم، كشعب إستعماري كان بحاجة إلى “تكرار” العدو الأبدي، على الرغم من أن العدو الفعلي قد تغير عدة مرات. وعلاوة على ذلك، فقد تصرّفوا في كثير من الأحيان مثل إمبراطورية أوروبّيّة – محوريّة، وبالنّسبة لذلك فإن وجهات نظرهم بشأن حقوقهم بإخضاع شعوب الشرق لم يكن مطلقاً بالنسبة لهم.

في الواقع، بالنسبة للروس كما بالنسبة لبعض القوى الإمبريالية الأخرى، هناك فكرة أن “قواعد القانون الدولي والقيم الأخلاقيّة المسيحية” ينبغي أن تحكم سلوكهم على هذه الشعوب لم يستجب لها أبداً. بدلا من ذلك، فقد شعروا بأنه يحق لهم تماما أن يدمّروا “الرجال المتوحّشون” في الشرق.

ويبيّن أنيسيموف أيضا أنّهُ “يستحيل أن توجد إمبراطورية دون تعبئة عسكرية قصوى في مركز العاصمة. الجيش هو الحب الأبدي للإمبراطورية، بل هو سلاح الغزو، وهو أيضا مثال للمجتمع”. فذلك كان عليه الحال في روسيا بتسلسلاتها القيادية الهرمية والرأسيّة وحكّامها العامّين.

ويقول بأن “من المهم أن نلاحظ”، “أن التّحرّك باتّجاه الشرق وإلى أجزاء أخرى من العالم لم يكن دافعه في روسيا المصالح الديموغرافية أو الإقتصادية أو التجارية. لقد لعبوا بطبيعة الحال دوراً لكنهم بقوا إما ثانويّين أو وهميىن وغير واقعيّين. وكان الثبات على الفتوحات الاستعمارية أقوى من صوت العقل والحس السليم“.

كانت إحدى ميزات الإمبراطورية الروسية هي القضاء على حدود أماكن إستيطان الروس وغير الروس، ”وحملة إزالة فوارق الأخير من السابق. مثل هذه الرغبات زادت فقط “مع ظهور الأفكار القومية والشوفينية”، وهي أشياء اندمج فيها الروس وفق قرار هام مع وجدانهم الإمبراطوري.

“أفكار القومية الروسية، والّتي توافقت في نواح عديدة مع الصور النمطية للإمبريالية” تم توسيعها لتشمل أفكار حكم العالم. وبهذا الأسلوب، “يمكن لأفكار القوميين الروس أن توفر أساسا لتأكيد تفوق الروس على الشعوب الأخرى”. ولكن في النهاية، لا “يمكن أن تكون نظريّة الإمبريالية من الغزو”.

ويشير أنيسيموف إلى أن عام 1917 هزّ الصيغة الإمبراطوريّة، لكن توقف البلاشفة عن تفكيك الإمبراطورية و”نُقِضَتْ بسرعة أفكار الثورة العالمية و’الثورة الشعبية العالمية’ أولى ثمرات التشكيلات القومية. تم توحيد وتجميع الإمبراطورية كما في السابق بتوافق مع الأفكار الجديدة حول ‘مساواة الطّبقة العاملة’ لجميع الشعوب”.

             و”يقف بأريحيّة وراء تلك الفكرة و’الخلاص’ البروليتاري مفهوم إطار المجد الإمبريالي السّابق”. وبموجب مصطلحاتهم، “سيكون مركز الجمهورية الاشتراكية العالمية في موسكو وسيتكلّم العالم لغة لينين (Lenin) وتروتسكي (Trotsky) وستالين (Stalin) – وهي الّلغة الرّوسيّة”.

   ويكمل بأنّهُ بحلول أعوام الثلاثينيات من القرن الماضي، “تمت التغطية على الأفكار الإمبريالية التي تقضي بتجميع استعادة ما يفترض أنها الأراضي الروسية السابقة التي كانت قد فقدت مع فكرة تصدير الثورة وقتال الأعداء الذين يحيطون بالبلاد.

             ويقول أنيسيموف، في الواقع، “’سوفياتي’ “كانت الكناية لما كان يعرف بِ’الروسي’، إلى ذلك وكما كانت تحدّد هويّة أي شخص ذو جنسية غير محددة ولكنه كان بشكل واضح ينتمي إلى إمبراطورية ذات طابع أيديولوجي، وفي هذه الحالة، الاتّحاد السّوفياتّي”. حصلت هذه المعادلة بسبب إنعدام المجتمع المدني في كلا الحالتين وكونهما منعزلين عن الدولة.

             وفي الوقت نفسه، انتشرت القناعة بين الروس بأن “روسيا ليست مركز العاصمة” وأن “مستعمراتها تعيش على نحوٍ أفضل” مما هي عليه، والمبدأ لهذا التّصوّر هو أن مستعمراتها كانت جاحدة وهي لا تستحق حتى ما كانت تُعطى والفكرة أنّهُ لا ينبغي أن تُوجّه الإنتقادات إلى الرّوس أو تحميلهم المسؤوليّة مقابل أي شيء يفعلونه لهم.

             لم يؤدّي إنهيار الإتحاد السوفياتي إلى “إنهيار التفكير الإمبريالي في كل جوانبه”. بدلا من ذلك، حصّنت بعض منها، بما في ذلك الشعور بأنّها محاطة بالأعداء، ومفهوم أن المستعمرات السابقة كانت جاحده دون مبرر، وفكرة أنّه لا ينبغي لروسيا متابعة رحيلهم إذا، وعندما تكون الفرصة متاحة لإعادة استيعابهم.

             ويكتب أن “الوعي الإمبريالي”، “لا يمكنه أن يتسامح مع انفصال محتمل من روسيا، غير الشيشان، من الشعوب الأخرى. للشعب الروسي كما كان من قبل، ظلت مشكلة تحديد الهوية الذاتية وتحديد مكانهم في العالم وفي روسيا واضحة وكما كان عليه سابقاً، من دون حل.

             ويقول أنيسيموف أن تلك الأزمة جعلتها أسوأ من ذلك، “من حقيقة أن موجة القوميّة الرّوسيّة والتي ازدادت في السنوات الأخيرة، أظهرت بوضوح وضع التخوف من الأجانب والفاشستيّة”، الأمر الذي يقيد أكثر، إمكانية أن الروس سوف يتحولون من فكرة الإمبريالية إلى القومية في أي وقت قريب.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2015/01/russians-havent-consolidated-as-nation.html

Share Button