مشاكل روسيا الديموغرافية تبدأ باللدغ- وتلدغ بشدّة

الأحد 18 يناير/كانون الثّاني 2015

مشاكل روسيا الديموغرافية تبدأ باللدغ- وتلدغ بشدّة

بول غوبل (Paul Goble)

 

ترجمة: عادل بشقوي

20 يناير/كانون الثّاني 2015

             ستاونتون 18 يناير/كانون الثّاني – يقول العديد من المحللين أن الديموغرافيا هي مصير، ولكن يصر خصومهم أن هذا صحيح فقط على المدى الطويل جداً. ولكن في بعض الأحيان، كما هو الحال في روسيا في الوقت الحاضر، فإن الديموغرافيا هي مصير بالمعنى المستعجل جداً والمباشر، وهو واقع يمتنع الكثيرين أن يعترفوا به وذلك يحد من قدرة موسكو على التعامل مع الأزمة الراهنة.

             كما تشير يكاترينا ميريمينسكايا (Yekaterina Mereminskaya) في مقال نشر في صحيفة “غازيتا (Gazeta)”، “وصلت روسيا للأزمة بمشاكل ديموغرافية دون حل حيث يمكن أن تتحول الآن إلى مسائل كارثية”. إن معدلات المواليد المنخفضة في أعوام التسعينيات من القرن الماضي واخفاق الهجرة يعني أنه لن يكون هناك عمّالاً بشكلٍ كافٍ لضمان الاستيعاض عن الإستيراد (gazeta.ru/business/2015/01/15/6376785.shtml).

             وتستشهد ميريمينسكايا بكلمات تاتيانا ماليفا (Tatyana Maleva)، رئيسة معهد التحليل والاستقراء الإجتماعي للأكاديمية الروسية للاقتصاد وإدارة الدولة، إلى واقع أن “روسيا هي في المرحلة الأولى من كارثة ديموغرافية”، وهي واحدة ليست فقط لم يسبق لها مثيل ولكنها لا تنعكس على الإحصاءات الحكوميّة الرّسميّة.

             وتقول ماليفا أن السلطات الروسية فخورة بانخفاض مستوى البطالة في البلاد، لكنهم أهملوا رؤية عدم وجود احتياطيات للتعامل مع مشكلتين كبيرتين في آن واحد: حجم المجموعة التي تلتحق بسوق العمل هي أصغر بكثير من تلك الّتي تتركه ولن يعوّض المهاجرين هذا الفارق بعد الآن.

             وتكمل بأنّه سيكون لذلك عواقب منهجية، ولكن اليوم، “مشكلة سوق العمل ليست في مستوى العمالة ولكن في مزيج من نمو البطالة في بعض الأقاليم ونقص العمالة في أُخرى”، بنتيجة أسابيع عمل أقصر في الأخيرة.

             وقد بدأ بالفعل هذا الانكماش في القطاع المالي ووسائل الإعلام وينتشر لتجارة التجزئة وفي الإسكان كذلك. وما ينبغي أن يعني، بطبيعة الحال، هو أنّه يجب على المديرين أن يصبحوا عمالاً، ولكن هذا لا يحدث، أو أنّه ينبغي بآن يسمح لعمال مهاجرين بشكل أكثر بدلاً من أقل.

             وتشير ماليفا، بأن ما يحدث هو العكس. “ووفقا لدائرة الهجرة الاتحادية، وصل إلى روسيا 70 في المئة أقل من المهاجرين خلال الأيام التسعة الأولى من عام 2015 بالمقارنة مع العدد لنفس الفترة من عام 2014”. وعدم الوصول يعمل على ضرب الخدمات المجتمعية في المدن “من سانت بطرسبرغ إلى فلاديفوستوك”.

             علاوة على ذلك، يحدث هذا على خلفية مشكلة شيخوخة السكان في روسيا.  وبعبارات ماليفا، يأتي مكان جيل المتقاعدين، جيل التسعينيات من القرن الماضي و“على ضآلته المفجعة”، وهم ليسوا فقط قلة في العدد ولكنهم لا يريدون أن يصبحوا عمّالاً في ورشات العمل.

            وتقول ماليفا: “بمعزل عن الأزمة، فإن سعر النفط، وسعر صرف الروبل، يدخل سوق العمل في روسيا مرحلة معقدة جداً، وهي عميقة ومطوّلة، وتنطوي على هبوط على المدى الطويل في حجم السكان الناشطين اقتصاديا”. وتضيف، هذا شيء، “لم يمر به احد في العالم في أي وقت مضى”.

             ويضيف فلاديمير ماو (Vladimir Mau)، رئيس أكاديمية ماليفا، إن “غادر الآن الجيل الأخير القادر على العمل في الإنتاج ويأتي جيل لا يريد من حيث المبدأ العمل به، يجب على الحكومة أن تكون مستعدّة لهذا التحول — ربما عن طريق زيادة البرامج للكبار”.

             وكلاهما يقولان، لكن هذا أبعد من المشكلة الوحيدة المتولدة عن الديموغرافيا التي تواجهها روسيا. على الرغم من أنه لا ينعكس تماما على الاحصاءات لأن روستات (Rosstat) لا تعتبر الأدوية ضمن مؤشر أسعارها، حيث أن ارتفاع تكلفة الأدوية المستوردة يدفع بانخفاض مستوى المعيشة في روسيا وسوف تستمر في القيام بذلك في حين يُعمّر السكان ويحتاج للمزيد منها.

             وهذا بدوره يساهم في النمو الهائل في حصّة السكان في الفقر. ووفقا لماليفا، يمكن اعتبار 12 في المئة من الروس الآن من الفقراء، ولكن من المرجح أن يرتفع ذلك الرقم إلى 23 في المئة بحلول نهاية هذا العام — و”لفئات إجتماعية معيّنة، لتصل إلى 30 في المئة”. هذه الزيادات سوف تقضي على كل التقدم الّذي تم إحرازه في السنوات العشرين الماضية.

             وتكمل وتقول، حتما، لا تزال الزيادات في الأسعار ودفع المتأخّرات سيعمل على إشعال توترات اجتماعية، حتّى أكثر مما كان عليه الحال في عام 2009، وهذه المرة، فإن السكان الروس لديهم موارد أقل بكثير لمواجهة الحياة، وهو ما يعني أن المشاكل التي تواجهها سيتم ترجمتها إلى توترات بسرعة أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي.

             الروس الآن يموّلون الاستهلاك من المدّخرات، ولكن 42 في المئة من الروس لا يملكون أي مدخرات — وسوف يستمر هذا العدد في النمو مع ارتفاع الأسعار والناس يحاولون التعويض عن طريق سحب ما وضعوه جانبا في الماضي. وذلك يعني أن الرّوس أكثر من أي وقت مضى سوف يشعرون بلسع المشاكل الديموغرافية والاقتصادية للبلاد.

             لأن الحكومة ووسائل الإعلام لا ينشرون بدقة عن ذلك، لا يدرك كثير من الروس مدى خطورة الوضع الحالي ويعتقدون أن “كل شيء سيكون على ما يرام”. وتقول ماليفا، لكن “إذا فهم الناس ما سيكون عليه هذا العام”، بغض النظر ما إذا تم رفع العقوبات، “فإنّهم لن يفعلوا ذلك”.

 المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2015/01/russias-demographic-problems-begin-to.html

Share Button