151 عاماً بعد الإبادة الجماعية وسنة واحدة بعد سوتشي، القضية الشركسية لن تضيع

الخميس 21 مايو/أيار 2015

151 عاماً بعد الإبادة الجماعية وسنة واحدة بعد سوتشي، القضية الشركسية لن تضيع

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

22 مايو/أيار 2015

 

بول غوبل
بول غوبل

            ستاونتون، 21 مايو/أيار – لا توجد أمّة استخدمت بمهارة حدثا دوليا أكثر مما فعله الشركس خلال أولمبياد سوتشي للفت الانتباه إلى الإبادة الجماعية المدبّرة من قبل روسيا لشعبهم قبل ذلك بمئة وخمسين عاماً. فعلى الرغم من أفضل الجهود التي بذلتها موسكو، تحدث بضعة صحفيين مستقلين حول سوتشي دون الحديث عن الجرائم المستمرة ضد الشراكسة.

            في العام الماضي، تراجعت القضية الشركسية من الصفحات الأولى في صحف العالم نظراً لعدم وجود ما يعادل حدث ألعاب سوتشي التي عقدت على ميادين القتل الذي جرى في عام 1861. علاوة على ذلك، وخلافا للذكرى المائة والخمسون، فإن الذكرى المائة والخمسون والتي تصادف اليوم ليست “الجولة” رقم واحد وليس من المستغرب أن تجذب بالتالي الاهتمام الأخير.

            لكن الإجراءات خلال العام الماضي — سواء تلك التي اتخذها الشراكسة في الوطن وفي الشتات وهؤلاء الذين تستخدمهم موسكو في محاولة لمنع نشاطهم — لا تظهر فقط أن القضية الشركسية لن تضيع ولكن تشير أيضا إلى أن الشركس يبنون الآن على نجاحاتهم من العام الماضي، وإن كان ذلك بطرق جذبت حتى الآن اهتماما أقل.

            وكما أدرك العالم في التحضيرات التي سبقت أولمبياد سوتشي، تم طرد الشراكسة من الإمبراطورية الروسية في عام 1864 بعد مقاومتهم توسع النفوذ الروسي في شمال القوقاز لمدة 101 عاما. في سياق هذا الطرد، قتل الآلاف أو ماتوا في هذه العملية.

            ليس من المستغرب، أن ذلك الحدث يشبه إلى حد كبير ذلك الذي حدث في عام 1915 للأرمن والمحرقة لليهود قد أوضح كلا الوعي القومي والتطلعات الوطنية الشركسية منذ ذلك الحين للشركس الساعين إلى الإعتراف والتنديد الدولي بهذه الجريمة، لإعادة توحيد أمتهم، واستعادة دولتهم في نهاية المطاف.

            على مدى الشهور الإثني عشر الماضية، فإن الشركس في الوطن، الذين يبلغ عددهم حوالي 500،000، وهؤلاء الذين يعيشون في الشتات الذين يتجاوزون خمسة ملايين، واصلوا متابعة أهدافهم الثلاثة هذه؛ وعلى قدم المساواة فإن ذلك ليس من المستغرب، فقد استفادوا من التطورات الأخرى، واعترضت موسكو على سعيهم لتحقيق العدالة.

            جلب العام الماضي ثلاثة أسباب للتفاؤل عند الشركس، وكل واحد منها أملى أساليبهم الخاصة، ثلاثة أسباب لتعديل استراتيجيتهم على المدى الطويل، وثلاثة أسباب لماذا يواجهون الآن مقاومة أكثر من موسكو، وهي مقاومة تؤكد في الواقع مقدار التقدم الذي يحققوة من أجل أهدافهم.

            الثلاثة أسباب للتفاؤل بين الشركس كانت زيادة الاعتراف الدولي للأحداث التي وقعت في عام 1915 على أنها ابادة جماعية وهو عدم تيقّن جديد حول الحدود في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي نظرا لضم موسكو شبه جزيرة القرم، وتجدد التوترات بين الشرق والغرب وهذا يعني أن رسائل هؤلاء المضطهدين من قبل موسكو ستلقى آذاناً صاغية أكثر.

 

            الشركس يرون أنفسهم ويقدمون أنفسهم للآخرين كشعب حيث كانوا ضحايا إبادة جماعية حتى قبل الأرمن ويعتقدون أنه إذا كان يمكن للأرمن الحصول على اعتراف من المجتمع الدولي على هذه النقطة، فإنّة سيمكنهم الحصول على ذلك. ومن ناحية أخرى، فإن الشركس، الذين يقطن عدد كبير منهم في تركيا، لهم ميزة خاصة من حيث أنه يمكن أن يكونوا ذات فائدة لتركيا في تحقيق التوازن بين المزاعم الارمنية ووضع أحداث عام 1915 في سياق أوسع.

            حالة الريبة التي حدثت من جديد حول الحدود في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي توفر الأمل للشركس، وهو شعب قام القياصرة في البدء ثم تبعهم السوفييت بتقطيع أوصالهم وبالتالي رفضت الفيدرالية الروسية فعل أي شيء بهذا الصّدد. ما إن يبدأ حدوث تغيير في الحدود، فإن احتمالات عن التغييرات على الحدود في أماكن أخرى تزداد بشكل واضح.

            والشركس استفادوا كذلك من ارتفاع جديد في التوترات بين الشرق والغرب: خلال الحرب الباردة، فإن الكثيرين في الغرب أبدوا تعاطفا خاصا مع الأقليات العرقية في الاتحاد السوفياتي. لكن بعد عام 1991، اختفى معظم ذلك التعاطف لأن الحكومات الغربية ركزت اهتمامها على موسكو ولم تكن تريد زعزعة الوضع. وقد تغير ذلك الآن.

            وقد أملىت كل هذه التطورات التكتيكات التي تبناها الشركس خلال العام الماضي. حيث سعى الشركس إلى الإتّكاء على الإدعاءات الارمنية، وقد تحدثوا أكثر عن الظلم الذي لحق بهم نتيجة تقسيم الأمة الشركسية في شمال القوقاز، وقد ركزوا على تلك البلدان، مثل أوكرانيا وإستونيا، اللتان هما الأكثر عرضة لحدوث خلاف مع موسكو.

            ويظهر الشركس بانتظام في التجمعات الأرمنية. وقد نشروا العديد من الخرائط حول ما بدت عليه حدود شركيسيا قبل الغزو الروسي وقد عززوا الاتصالات بين الشركس في شمال القوقاز، وقد أرسلوا مناشدات لبرلمانات في جميع أنحاء العالم تدعو إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية.

            لم تقف الحكومة الروسية مكتوفة الأيدي. فقد اتّبعت سياسة العصا والجزرة في القوقاز، واستراتيجية فرق تسد ضد الشتات، وحملة دعائية ضد الشركس إلى حد بعيد. فقدت كانت موسكو تحرز بعض النجاح في كل حالة، لكن على مدى العام الماضي، أصبحت حدود قدرتها على التأثير على الوضع أكثر وضوحا من أي وقت مضى.

            ان الكرملين يرغب في إبقاء الشركس هادئين في شمال القوقاز خشية أن يزيد نشاطهم من مشاكل روسيا هناك، لكن ولأن السوفييت اختاروا ليشملوا الشركس المتبقين في جمهوريتين ثنائيتي القومية، فإن أي شيئ يتم إنجازه للشركس هناك سيكون له تأثير قد يؤدّي إلى تفاقم علاقات روسيا مع الأمم التركية التي يقترن بها الشركس حاليا.

            وكانت روسيا قد استخدمت دائما عملائها في الخارج من أجل بث الفرقة والفوضى بين الجماعات العرقية وغيرها. في الماضي، كان لها بعض النجاح بين الشركس، ولكن على مدى العام الماضي، أصبح القادة الشركس في العديد من البلدان أكثر حساسيّة لهذا التهديد وأكثر إستعداداً بكثير للرد، وبالتالي الحد من قدرات موسكو في هذا الاتجاه.

            والدعاية الروسية عن الشركس أصبحت أقل نجاحاً من أي وقت مضى لأنه ينظر إليها ليس فقط من قبله ولكن من قبل الآخرين كجزء من حملات التضليل الأوسع وغير الشريفة في الأساس التي تنشرها موسكو ضد الأوكرانيين ودول أخرى. ونتيجة لذلك، ما كان يمكن عمله قبل 18 شهرا لا يمكن عمله الآن.

            ويعترف الشركس أن مهمتهم صعبة للغاية، وسوف يستغرق وقتا طويلا لتحقيق ذلك، لكن جلب لهم العام الماضي نصراً يمكن أن يكون أهم ما حقّقوه منذ وقتٍ طويل: إنهم يدركون هذه الحقيقة، وهم يتصرفون باتباع أسلوب “الخطوة خطوة” لتحقيق أهدافهم. 

            ونتيجة لذلك، فإن القضية الشركسية لن تضيع، مهما قال مروّجوا الدعاية في موسكو، والمستقبل للشركس ولشركيسيا هو أكثر إشراقا الآن عما كان عليه مشهد بوتين في سوتشي قبل إتاحة المجال لتلك الأمّة بأن تلتقط خيال جزء كبير من العالم.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2015/05/151-years-after-genocide-and-one-year.html

Share Button