قد تكون إستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورقة مساومة لموسكو في لعبة مقايضة

قد تكون إستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورقة مساومة لموسكو في لعبة مقايضة

الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور

02 يوليو/تمّوز 2015

الكاتب: بافل فيلغينهاور (Pavel Felgenhauer)

ترجمة: عادل بشقوي

03 يوليو/تمّوز 2015

مكتب المدعي العام الروسي، موسكو
مكتب المدعي العام الروسي، موسكو

أعلن مكتب المدعي العام الروسي (Genprocuratura) انه يحقق في شرعية استقلال دول البلطيق — إستونيا ولاتفيا وليتوانيا (Estonia, Latvia and Lithuania) — والتي تم الاعتراف بها من قبل مجلس الدولة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (USSR) في سبتمبر/أيلول 1991. وفي أواخر يونيو/حزيران، أعلن مكتب المدعي العام الروسي عدم قانونية نقل تبعيّة شبه جزيرة القرم (Crimea) ومنطقة سيفاستوبول (Sevastopol) في عام 1954 التي كانت ضمن الإتحاد السوفياتي، وتابعة لجمهورية روسيا السوفياتية الاتحادية الاشتراكية (Russian Soviet Federative Socialist Republic) إلى جمهورية أوكرانيا السوفياتية الاشتراكية (Ukrainian Soviet Socialist Republic) (Interfax, June 27). وقال مصدر لم يكشف عن هويّته من مكتب المدّعي العام الروسي لوكالة انترفاكس (Interfax) الروسية للانباء: “إن نقل شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا انتهك الدستور السوفيتي وهو غير قانوني. وعلى الأرجح سيتم التوصل إلى أنّ استقلال دول البلطيق “غير قانوني على قدم المساواة”. ووفقا للمصدر، فإن “نقل تبعيّة شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول في عام 1954غير دستوري، لكن ذلك غير ذي صلة، لأنها عادت إلى روسيا” وأضاف المصدر: “في حين يتم التحقيق في الجوانب القانونية للأحداث الماضية، يجب أن نكون حذرين — يمكن التشكيك بشرعية العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الإتحاد السوفياتي نفسه،” (Interfax, June 30).

إن التحقيق في استقلال دول البلطيق بحسب ما أفادت التقارير كان قد بدأ من قبل عضوي مجلس الدوما من الحزب الحاكم، روسيا الموحدة (United Russia Party)، انطون رومانوف (Anton Romanov) وأوجيني فيدوروف (Eugenie Fedorov). وقد أيد هذه الخطوة، الديماغوجي القومي البارز فلاديمير جيرينوفسكي (Vladimir Zhirinovsky)، زعيم أحد أطياف الدوما من الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي (LDPR)، وأعلن أنّهُ بما أن استقلالها غير قانوني، يجب تنظيم استفتاء في كلٍ من استونيا ولاتفيا وليتوانيا لجعلهم جزءا من روسيا. وأعلن جيرينوفسكي أن “روسيا تخلت عن شعبها في دول البلطيق”، “كانوا من مواطني الاتحاد السوفياتي، ولم يرغبوا في أن يعيشوا في إستونيا أو لاتفيا أو ليتوانيا مستقلة (MK, July 1). اثنتان من دول البلطيق الثلاث لديها أقليات كبيرة ناطقة بالروسية، ولقد تم تضخيم خوف هذه الدول الثلاث التي استقلت بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وبأنها تخشى من تدخل روسي بعد ضم شبه جزيرة القرم والتمرد الّذي حرّضت عليه موسكو في شرق أوكرانيا. وقد ندد زعماء البلطيق السياسيين بالتحقيق الّذي يجريه مكتب المدّعي العام الرّوسي ووصفوه  بأنه “سخيف” (Interfax, June 30).

وقد نأى الكرملين بنفسه عن التحقيق الذي يجريه مكتب المدّعي العام الروسي: قال السكرتير الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصحفيين انه لا يستطيع التعليق، لأنه لا يعرف أي شيء عن هذا الامر. كما أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (Sergei Lavrov) عن جهله بالموضوع وأصر على أن موسكو وبما أن لديها علاقات دبلوماسية مع إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، فإنها بالتالي تعترف باستقلالها. ووفقا لفرانتز كلينتسيفيتش (Frantz Klintsevitch)، النائب الأول لزعيم حزب روسيا الموحّدة في مجلس الدوما: “إنها قضيّة خاسرة — من الصعوبة بمكان أن تعود دول البلطيق إلى روسيا. دعهم يعيشون حياتهم وفق النمط الأوروبي مع حقوق المثليين والدعارة المشروعة”. “وقال ميخائيل يميليانوف (Mikhail Yemelyanov) نائب رئيس مجلس الدوما عن حزب “روسيا عادلة” (Just Russia) للصحفيين: “الأميركيون على الأرجح ينشرون الشائعات حول تحقيق مكتب المدعي العام الروسي لتخويف دول البلطيق وإحداث الفوضى. إن السلطات الروسية لا تريد أن تزيد من تفاقم مسألة البلطيق (Kommersant, July 2).

وتراجع أيضاً مكتب المدعي العام الروسي. وأوضحت المتحدثة باسم المكتب، مارينا غريدنيفا (Marina Gridneva)، أن الرسالة التي كتبها رومانوف وفيدوروف دعت للتحقيق في إنشاء مجلس الدولة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في عام 1991 وفي قراراته اللاحقة، والذي “تسببت في خسائر للأراضي وأعاق بشكل خطير السيادة والأمن القومي لأمتنا [كذا]”. ووفقا لغريدنيفا، يجب على مكتب المدعي العام الروسي التحقيق في جميع الشكاوى التي يتلقّاها، حتى لو كانت بدون معنى تماماً. “وقالت غريدنيفا للصحفيين أن التحقيق في استقلال دول البلطيق “ليس فيه أي منظور قانوني إيجابي” (RIA Novosti, July 1).

إستونيا ولاتفيا وليتوانيا معترف بها دوليا باعتبارها دول ذات سيادة وأعضاء في الأمم المتحدة، وفي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (NATO)، وكذلك الاتحاد الأوروبي (European Union). ويبدو أن نتائج عكسية ستنجم من جراء الطعن رسميا باستقلالها، وتم ربط هذا التحقيق بشكل علني بضم شبه جزيرة القرم واستمرار الصراع في شرق أوكرانيا — خصوصا في الوقت الذي يتدافع كل من حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة بالفعل لتعزيز تحالف “الجناح الشرقي” للدفاع عن دول البلطيق وبولندا ورومانيا ضد الأنشطة الروسية العدوانية المحتملة. إن تحقيقات مكتب المدّعي العام الروسي بخصوص شرعية التاريخ الطّويل للإتّحاد السوفياتي الّذي يمكن أن يكون مظهرا من مظاهر الفوضى التنظيمية في آلة سُلطة بوتين، كانت السبب الذي أدى إلى الركود الاقتصادي الحالي والعزلة السياسية لروسيا (Rosbalt, July 1).

كانت رد الفعل الرسمي على نبأ التحقيق متردّدا. ومكتب المدعي العام الروسي لا يحقق بشكاوى متفجرة سياسياً “لا معنى لها” دون موافقة من الكرملين ولا يتفاخرون بها بالصحافة. وفي الوقت نفسه، فإن اشادة جيرينوفسكي الصارخة هي دائماً منتقاة بعناية لتكون في تناغم مع رغبات الكرملين غير المعلنة. ومؤخرا فقط، أخبر سكرتير مجلس الامن القومي الروسي (Russian National Security Council) نيكولاي باتروشيف (Nikolai Patrushev) وكالة انترفاكس للأنباء: “الناتو يتقدم وقام بدمج بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة معه [إستونيا ولاتفيا وليتوانيا]. نحن مضطرون للرد على ذلك” (Interfax, June 25).

في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن بوتين يسعى جاهداً لنزع فتيل المواجهة المتصاعدة مع الغرب بشأن أوكرانيا وكسر العزلة عن روسيا. أخذ بوتين زمام المبادرة وهاتف الرئيس باراك أوباما: تحدثوا للمرة الأولى منذ فبراير الماضي عن أوكرانيا واتفقا على إجراء مشاورات بين مساعدة وزير الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند (Victoria Nuland) ونائب وزير الخارجية الروسي غريغوري كاراسين (Grigory Karasin). ووفقا للكرملين، ناقش الزعيمان أيضا الإرهاب، والدولة الإسلامية وسوريا والمشكلة النووية الإيرانية — كل القضايا التي تحتاج الولايات المتحدة مساعدة روسيا بها وحيث تبدو مصالحهم العامة تتلاقى إلى حدٍ ما. تم الاتفاق على أن يتم لقاء بين لافروف ووزير الخارجية الامريكية جون كيري (John Kerry) سيلتقيا مرة أخرى لمناقشة هذه القضايا (Kremlin.ru, June 26).

كما أجرى بوتين اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي (Shinzō Abe) لمناقشة موضوع أوكرانيا و“قضايا أخرى”. ودعا آبي بوتين لزيارة اليابان، وجرى الاتفاق على عقد اجتماعات ثنائية متعددة المستويات “للتحضير لهذه الزيارة الهامة” (Kremlin.ru, June 24). وفي وقت سابق، قال بوتين للصحفيين اليابانيين انه يريد أن يجتمع مع آبي “لمناقشة قضية جزيرة الكوريل” (Kuril Island) ويقال إنه أعلن: “يمكن حل قضية الكوريل” (Kyodo, June 20). في الأسبوع الماضي، استضاف بوتين رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني (Silvio Berlusconi) في منطقة جبل التاي (Mountain Altay) في سيبيريا. يبدو أن برلسكوني أعطي رسالة لنقلها الى الغرب والتي يمكن ان تحل الازمة في العلاقات  (Interfax, July 29).

يمكن أن يكون بوتين يسعى لنوع من المقايضة على شبه جزيرة القرم وأوكرانيا أو لإحداث شرخ في جبهة السبعة الكبار (G7) الموحّدة من خلال تقديم مساعدة للولايات المتحدة على موضوعي إيران والدولة الإسلامية؛ اليابان تأمل بحل موضوع جزر كوريل الجنوبية؛ والأوروبيون، قُلْ، التخلي عن جميع المطالبات المستقبلية المحتملة فيما يتعلق بدول البلطيق في مقابل الحصول على قبول بالحقوق الروسية الخاصة في أوكرانيا والاعتراف الضمني بالوضع الراهن في شبه جزيرة القرم. لكن استخدام دول البلطيق كورقة مساومة ممكنة، يجب أن تتم المطالبة بها قانونيا أولاً من قبل مكتب المدعي العام الروسي. الأوقات العصيبة تتطلب مراهنات يائسة.

المصدر:

http://www.jamestown.org/single/?tx_ttnews%5Btt_news%5D=44113&tx_ttnews%5BbackPid%5D=7&cHash=ca3c5f4ed665677eb7ed6eade2d1f431#.VZZawBOqqkp

Share Button