بريجنسكي عن روسيا: “نحن بالفعل في حرب باردة”
مقابلة أجراها سيباستيان فيشر (Sebastian Fischer) وهولغر ستارك (Holger Stark)
2 يوليو/تموز 2015
ترجمة: عادل بشقوي
6 يوليو/ تموز 2015
مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبغنيو بريجنسكي: الأمور تتحرك بسرعة أكبر من ذلك بكثير
يعتقد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي (Zbigniew Brzezinski) أن على الغرب أن يقف في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وقال “علينا جعلها أكثر تكلفة بالنسبة للروس لاستخدام القوة”، حسبما قال في مقابلة له مع صحيفة دير شبيغل الإلكترونيّة.
روسيا تريد توسيع ترسانتها من الصواريخ العابرة للقارات. وتعتزم الولايات المتحدة وضع أسلحة ثقيلة في دول أوروبا الشرقية الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO). بالإضافة إلى ذلك، واشنطن تدرس إمكانية وضع صواريخ كروز نووية جديدة في أوروبا رداً على التذرع بانتهاك روسيا لمعاهدة الحد من الأسلحة. والأزمة في أوكرانيا تنذر بالانتشار.
في مقابلة مع دير شبيغل الإلكترونيّة، يتحدّث زبيغنيو بريجنسكي، الذي كان مستشار الأمن القومي الامريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر (Jimmy Carter) في المدة 1977 – 1981، عن حرب باردة جديدة. بريجنسكي البالغ من العمر 87 عاما يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن العاصمة.
دير شبيغل: السيد بريجنسكي، هل نشهد بداية لحرب باردة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة؟
بريجنسكي: نحن بالفعل في حرب باردة. وفيما إذا كانت سوف تصبح ساخنة، فإنّهُ لحسن الطالع لا يزال ذلك قليل الإحتمال.
دير شبيغل: الحرب الباردة السابقة استمرت أكثر من 40 عاما. هل سوف يستمر ذلك طويلا هذه المرة؟
بريجنسكي: أنا لا أعتقد ذلك. الأمور تتحرك بسرعة أكبر. والضغوط من الخارج يتم الإحساس بها داخلياً. إذا استمر هذا الوضع، وإذا لم تنهار أوكرانيا، فإن الضغوط الداخلية في روسيا ستجبر أي مسؤول في الحكم لتحرّي عن بدائل. على أمل، أن يكون بوتين ذكياً بما فيه الكفاية ويعرف أنه من الأفضل تحرّي البدائل في وقت مبكر وليس بعد فوات الأوان.
دير شبيغل: هل هو ذكي بما فيه الكفاية؟
بريجنسكي: من الصعب جدا أن أقول ذلك. كان لديه ما يسمى في أمريكا “الذكاء”، الذي هو نوع من الذكاء الفطري. هو لديه تمرّسٌ حقيقي. وأتساءل لماذا يعمل على استعداء أكثر من 40 مليون نسمة تقريبا في بلد مجاور وبشكل متعمّد، ولم يكن يحرّكهم حتى وقت قريب جدا، أي عداء تجاه روسيا.
دير شبيغل: هل تعتقد أنه من الصواب بالنسبة للولايات المتحدة إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوروبا الشرقية ودول البلطيق؟
بريجنسكي: هل تعتقد أنه من الصواب أن ترسل جنودا وأسلحة إلى دولة ذات سيادة وبدء حرب محدودة بعد الإستيلاء على جزء كبير من ذلك البلد؟
دير شبيغل: أنت تتحدث عن تصرفات روسيا في أوكرانيا.
بريجنسكي: يجب أن ترى الجانبين. انها مسألة الفعل ورد الفعل. أنا لا أريد حرباً، ولكن أنا لن أكون مرعوباً بحجة أنه إذا قمنا بالرّد بشكل متناظر على إجراءات أحادية الجانب من قبل الجانب الآخر، فنحن نكون إستفزازيّين نوعا ما ومندفعين للحرب. إنّهُ على العكس تماما. لأن عدم القيام بذلك هي الطريقة الأكثر احتمالاً لإثارة الحرب.
دير شبيغل: ولكن أليس الناتو يلعب في يد دعاية بوتين المعادية للغرب؟
بريجنسكي: هل تعني أن حلف شمال الاطلسي لا يسمح له وضع قوات على أراضي الدول الأعضاء فيه عندما يكون هناك شيء خطير يحتمل أن يحدث في الجوار؟
دير شبيغل: السؤال هو ما إذا كان من الحكمة من ناحية سياسية أن يتوفر له بالنتيجة إندفاعاً محلياَ.
بريجنسكي: هذه بالضبط الحجّة التي يمكن للمرء أن يقدّمها حول رد فعل ضبط النفس عندما قام هتلر بغزو إقليم السوديت (Sudetenland)، أو مع ضم النمسا (Anschluss of Austria).
دير شبيغل: هل تقارن بوتين بهتلر؟
بريجنسكي: أعتقد أن هناك بعض أوجه التشابه، ولكن أيضا هناك بعض أوجه الاختلاف. لم يكن لهتلر أبداً اهتماماً شخصياً بجني المال. لكن بوتين لديه اهتماماً جانبياً بكسب الكثير من المال، والذي يقدم وجهة نظر مختلفة بعض الشيء في الحياة وهي وجهة نظر ربما تستقر وتهدئ من المشاعر. ولكن ما هو خطير بشكل خاص هو أنه مقامر.
دير شبيغل: دعونا نتصور سيناريو بحيث تغزو روسيا دول البلطيق. هل سيذهب حلف شمال الاطلسي إلى الحرب؟
بريجنسكي: اذا ذهب الى دول البلطيق للغزو، بطبيعة الحال. هذا هو بيت القصيد بالنسبة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، أليس كذلك؟ لا نستطيع أن نقول للعالم: “نحن لا نعني ما نقوله وسوف لن نفعل أي شيء إذا أقدمتم على فعل أي شيء”؟ هذا هو بشكل مبسّط مثل تعليق لافتة على الباب الأمامي لمنزلك ومكتوب عليها: “نحن غائبين عن المنزل، والأبواب غير مقفلة”. هل تعتقد أنّها ستكون استراتيجية أمنية ذكية؟
دير شبيغل: وفقا لدراسة أجريت مؤخّراً من قبل مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center)، يعتقد 58 في المئة من السكان الألمان أنّهُ لا يجب على ألمانيا استخدام القوة العسكرية للدفاع عن حليف في حلف شمال الأطلسي اذا تعرّض لهجوم من قبل روسيا.
بريجنسكي: لقد رأيت ذلك. ما هي النسبة المئوية من الألمان الّتي ستقول أنه إذا تعرضت ألمانيا لهجوم، لا يجب على الولايات المتحدة حمايتها؟
دير شبيغل: ربما، ستقول الغالبية أن على الولايات المتحدة أن تقدّم المساعدة.
بريجنسكي: حسناً، بالطبع. هذه هي الطبيعة البشريّة. هذا هو السبب في أنني لا أقلق كثيرا حول هذه الأمور لأن الطبيعة البشرية تتغير مع تغير الظروف. أنظر إلى الليتوانيّين، ذلك البلد صغير. فقد أعلنوا للتو أنهم بصدد الدفاع عن أنفسهم، نقطة أول السطر. يجب أن يضع ذلك ألمانيا في العار. في الواقع، أعتقد أن ألمانيا ستقاتل. أظن أن السيدة ميركل ستقاتل. وكذلك المعارضة ستقاتل.
دير شبيغل: في صراع أوكرانيا، فقد ترك الرئيس باراك أوباما المستشارة الألمانية ميركل لأخذ زمام المبادرة. هل هذه خطوة جيدة؟
بريجنسكي: أعتقد أن المستشارة ميركل تقوم الآن بعمل جيد للغاية. إن لدى أوباما بعض المشاكل الأخرى أيضا، مثل الشرق الأوسط.
دير شبيغل: تعتقد ميركل ان ارسال اسلحة الى أوكرانيا هو أسلوب خاطئ إن تم اتباعه: إنها لا تعتقد أن هناك حلاً عسكرياً للأزمة. ما رأيك؟
بريجنسكي: يجب علينا أن نجعل استخدام القوة أكثر كلفة بالنسبة للروس. وأعتقد أنه من المنطقي بأن تعطى أسلحة دفاعية إلى الأوكرانيين، مثل قذائف الهاون والصواريخ المضادة للدبابات، من أجل الدفاع عن المدن الرّئيسيّة. إذا أردت أن تسيطر على بلد كبير، فعليك أن تسيطر على المدن الكبيرة. والسيطرة على المدن الكبيرة مكلف للغاية إذا كان الناس على استعداد للدفاع عنها.
دير شبيغل: هل ترى أن هناك حلا محتملا للأزمة ما يمكن من تجنب المزيد من التصعيد؟
بريجنسكي: أعتقد أن النتيجة النهائية لهذه الأزمة ينبغي التوصل اليها على أسس التجهيز، وذلك هو الإطار الأساسي لمثل ذلك، فهذا التجهيز هو التطبيق لأوكرانيا بنفس الترتيبات التي وفرت الاستقرار والسلام لعدة عقود بين روسيا وفنلندا. ينبغي أن تكون أوكرانيا حرة في اختيار هويتها السياسية، وفلسفتها السياسية، وإضفاء الطابع المؤسسي عليها من خلال روابط أوثق مع أوروبا. لكن في الوقت نفسه، يتعين على روسيا ان تتأكد من مصداقية أن أوكرانيا لن تصبح عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي. ما زلت أعتقد أن هذه هي صيغة للحل.
شبيغل: لقد عرفنا الكثير عن مستشار الأمن القومي (NSA) في السنوات الأخيرة. عندما كنت مستشارا للامن القومي، هل تنصّتت وكالة الأمن القومي على المستشار الالماني هيلموت شميت (Helmut Schmidt)؟
بريجنسكي: لدي شعور بالمسؤولية تجاه منصبي السابق، وبالتالي، فإنّي لست بصدد مناقشة ذلك.
المصدر:
