كيف يمكن أن تبدأ الجولة القادمة من تفكك روسيا

الاثنين 24 أغسطس/آب 2015

كيف يمكن أن تبدأ الجولة القادمة من تفكك روسيا

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

25 أغسطس/آب 2015

            ستاونتون، 24 أغسطس/آب — في قصيدته “سقوط روما”، كتب ويستان هيو أودن (W.H. Auden) أنه يمكن الإشارة الى ذلك ليس عبر حدث درامي هام، لكن بدلا من ذلك “مسؤول يشعر بالملل” يخربش على مذكرة ويترك مكتبه للعودة إلى بيته، تذكيرا بأن تحولات تكتونية (tectonic) هائلة غالبا ما تبدأ بأشياء صغيرة والتي ترفضها الأغلبية في ذلك الوقت ولكن هذا يثبت لاحقا ليكون بداية لشيء كبير.

            يجلب اليوم تقريراً لواحد من تلك المسببات المحتملة لمثل هذه الأحداث العظيمة. أندري نيتشاييف (Andrey Nechayev)، وهو خبير اقتصادي ورئيس حزب المبادرة المدنية (Civic Initiative Party)، يقدم تقريراً يفيد بأن شراء الحكومة الروسية للحبوب تم التخطيط له ليحدث في 20 أغسطس/آب لكنه  لم يجري ذلك لأن المزارعين لم يعودوا يريدون أن يأخذوا عملة الروبل مقابلاً لمحاصيلهم (echo.msk.ru/blog/nechaev/1608922-echo/).

            ويكتب أنّهُ بدلا من ذلك، سيؤدي انخفاض قيمة الروبل إلى إحتمال زيادة صادرات الحبوب، وان المزارعين الروس يفضّلون بدلا من ذلك بيع إنتاجهم إلى الخارج مقابل الدولار بدلاً من قبول عروض أسعار موسكو في وضع  يضعف فيه الروبل أكثر من أي وقت مضى، وتلك نكسة “غير متوقعة” نتيجة لانخفاض قيمة العملة.

            ثم يؤكد نيتشاييف لماذا يهم ذلك أكثر مما يتوقعه الكثيرون: “شيء ما في جزء مماثل حدث في فترة إنحطاط الإتحاد السّوفياتي عندما رفضت آنذاك مزارع جماعية توريد الحبوب لصناديق مركزية” وطالبت بأن يتم الدفع لا بالروبلات السوفياتية ولكن في العملة الصعبة النادرة آنذاك.

            إلا أن الحكومة لم تفعل هذا؛ عوضاً عن ذلك، لجأت إلى “الخداع”، لكن “كل شيء انتهى مع مشاكل هائلة لتوريد المواد الغذائية إلى المدن الكبرى، وفي نهاية تفككت البلاد، بما أن معظم الجمهوريات اعتبرت أنها ستتمكن من حل معضلة الإمدادات الغذائية على نحو أفضل بشكل أحادي بدلا منه جماعي”.

            ويقول الخبير الاقتصادي أن ذلك، يجب أن يكون “درسا جديا” للوقت الحاضر.

            إن آفاق تفكك الفيدرالية الروسية تجذب المزيد من الاهتمام في أعقاب مقابلة أجراها وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر (Henry Kissinger) مع موقع “ناشيونال إنترست” (The National Interest) والذي أشار فيها إلى أن الولايات المتحدة كانت تسلك خطئاً سياسة تهدف إلى تقسيم روسيا.

في عدد اليوم لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” (Nezavisimaya gazeta) يعتبر ميخائيل سيرجييف (Mikhail Sergeyev,)، وهو متخصص بالشؤون الإقتصادية في الصحيفة التي تصدر في موسكو,، أن كلمات كيسنجر، وكذلك تعليقات عدد من الخبراء الروس، تخلص إلى أن “علامات الانفصال الافتراضي” من النوع الذي واجه روسيا في عام 1998 “لم تتم ملاحظته حتى الآن” (ng.ru/economics/2015-08-24/4_defolt.html).

وبعد تلخيص حجج كيسنجر، يشير سيرجييف إلى أن “الفيدرالية الروسية والاتحاد السوفياتي أثبتا بالفعل نزعة نحو التفكك”، مع إنهيار البلاد “مرتين على الأقل”، في عام 1917 وفي عام 1991. وفي وقت أزمة عام 1998 “ظهرت علامات عديدة من الانفصال الاقتصادي”.

واضاف ان “أوضح مثال على الانفصال الاقتصادي” كان “محاولات إصدار العملات المحلية، وإنشاء إحتياط الذهب في الأقاليم واحتياطيات العملة الصعبة، ورفض دفع الضرائب للميزانية الفيدرالية”. وكانت كل تلك الأمور خطيرة لكن موسكو كانت قادرة على قمعها.

و يستشهد محلل صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” (Nezavisimaya gazeta) بإميل بين (Emil Pain)، وهو متخصص رائد في موضوع الأعراق والمستشار السابق للرئيس الروسي بشأن ما حدث قبل سبعة عشر عاما. ويسجل بين بأنّهُ “بعد أن أعلن المركز الفيدرالي عن العجز في الميزانية، بدأت كل المناطق تقريبا باتخاذ تدابير للدفاع عن النفس من الناحية الإقتصادية”.

على سبيل المثال، بحلول شهر سبتمبر/أيلول من عام 1998، أدخلت 79 منطقة رقابة على أسعار وصادرات الغذاء. وقال بين أن “التهديد الأكبر في ذلك الوقت، كان حتّى “أقوى” من الحركات المناطقيّة في وقت مبكر من التسعينيات من القرن الماضي، وجاء نتيجة لفصل النظم المالية الإقليمية؛ وكان على موسكو أن تعمل بجد لإرجاع المناطق مرة أخرى إلى الصّف.

ويقول سيرجييف أن الخبراء الروس، يشيرون إلى اختلافات بين الأزمة الحالية والتخلف عن السداد في عام 1998 و“أيضا إلى اختلاف في الأساليب بين الغرب وروسيا في الوقت الحاضر” بالمقارنة مع “وقت العجز عن السداد”.

ويقول ألكسي أرباتوف (Aleksey Arbatov)، وهو خبير في السياسة الخارجية في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية (IMEMO)، أن التخلف عن السداد في عام 1998 كان نتيجة لحسابات خاطئة في الاقتصاد الكلي من قبل الحكومة الروسية. وتعكس الأزمة الحالية نموذج تصدير مواد الخام بعد أن وصل إلى “طريق منهجي مسدود”. وفي الوقت نفسه، يشير إلى أنه “بعيدا عن كل السياسيين في الولايات المتحدة الذين يسعون إلى تقسيم روسيا”.

“يفهم غالبية الأمريكيين أن تفكك الفيدراليّة الروسية قد يكون له عواقب كارثية على الولايات المتحدة. بقايا روسيا” قد تنتهي كجزء من الدولة الإسلامية (ISIS) أو الصين، و “تفكك البلاد مع قدرة نووية للطاقة الذرية وأشكال خطيرة عديدة من الإنتاج يسبب مخاطر لأخطر كارثة على الإطلاق”.

يقول فيودور لوكيانوف (Fyodor Lukyanov)، رئيس المجلس الروسي للسياسة الخارجية والدفاع (Russian Council on Foreign and Defense Policy)، انه “غير صحيح” النظر إلى تعليقات كيسنجر كما لو أنها تلفت النظر إلى “وسائل وطرق تقسيم روسيا المحتملة”. ما يتحدث عنه وزير الخارجية السابق، كما يقول، هو الخيار من قبل الولايات المتحدة “بعد الحرب الباردة نحو تبني سياسة الهيمنة من دون أخذ مصالح بلدنا في عين الاعتبار”.

ويقول إن “أزمات التسعينيات من القرن الماضي تولدت نتيحة لضعف المركز. ثم أعدت السلطات الإقليمية نفسها ببساطة للبقاء على قيد الحياة بشكل مستقل. وعندما تعدى التهديد تعمّق الأزمة، تغاضى البيروقراطيون المحليون عن موضوع الانفصال الاقتصادي”.

يقول لوكيانوف انه “لا يتوقع في ظل الظروف الحالية أن الأمور ستتطور نحو تكرار سيناريوهات التسعينيات من القرن الماضي”. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، لا هو ولا أرباتوف يُسلِّمان بأن الحجج التي هما بصددها الآن تماثل بشكل وثيق للغاية حجج المدافعين عن عدم تجزئة الاتحاد السوفياتي قبل 25 عاما.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2015/08/how-next-round-of-russias.html

Share Button