الروس لن يعترفوا بأن ترحيل الشركس كان إبادة جماعية — لكن ينبغي أن يفعل الأوكرانيون ذلك

السبت 21 مايو/أيار 2016

الروس لن يعترفوا بأن ترحيل الشركس كان إبادة جماعية — لكن ينبغي أن يفعل الأوكرانيون ذلك

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

21 مايو/أيار 2016

            ستاونتون 21 مايو/أيار — قبل مائة و اثنين وخمسين عاما من اليوم، هزمت القوات القيصرية الشركس في شمال القوقاز بعد أن قاوم الشركس التقدم الروسي بنجاح لمدة 101 عاماً، وبعد ذلك قامت الحكومة الروسية بطرد معظمهم إلى الإمبراطورية العثمانية، مستكملة سياسة الإبادة الجماعية التي قرّرتها سان بطرسبورغ في وقت مبكر.

             المسؤولون الروس إلى يومنا هذا لا يمكنهم أن يعترفوا بذلك ليس فقط لأن عمل ذلك سيسمح للعديد من الخمسة ملايين شركسي في الشتات العودة إلى الوطن، والذي سيؤدي إلى تغيير التوازن العرقي في شمال القوقاز بعيداً عن موسكو، ولأن مثل هذه النّزاهة سوف تثير حتما المزيد من الأسئلة حول سياسات الإمبراطورية الروسية في أماكن أخرى.

              ولكن في هذه الذكرى على وجه الخصوص، وهي ذكرى  كانت الجماعات الموالية لموسكو وبشكل كبير في الماضي تسعى للحد من إحيائها داخل روسيا وخارجها وللتشويش على هذه القضية في أذهان الكثيرين، ينبغي على الأوكرانيين أن يأخذوا زمام المبادرة في الاعتراف بما فعلته روسيا باعتباره إبادة جماعية، ليس فقط لأسباب أخلاقية ولكن بسبب الدور الذي أداه الشّركس في التاريخ الأوكراني.

              وهذا هو فحوى مقال أفرام شموليفيتش، وهو خبير إسرائيلي في شؤون القوقاز، في رسالة إلى الأوكرانيين على الموقع الإخباري  {TSN news portal} (ru.tsn.ua/blogi/themes/politics/genocid-cherkesov-esche-odno-prestuplenie-rossii-634709.html). وهو مقال يمكن لذوي النوايا الحسنة في أوكرانيا وروسيا وحول العالم أن يتفقوا عليه في النهاية.

                ويشير الباحث الإسرائيلي إلى أن الشركس قاوموا توسع القوّة الروسية في القوقاز لفترة أطول من أي طرف آخر، وذلك من 1763 – 1864، مما أكسبهم احتراماً لا يحسدون عليه من الذين شاركوا في المعارك ضدهم وكذلك حقد الدّولة الروسية الدفين وهي التي قررت أنه يمكنها فقط أن تحتفظ بالمنطقة من خلال التخلص من سكانها.

               بالفعل في سبتمبر/أيلول 1829، حسبما يقول شمولوفيتش، فإن نيقولا الأول (Nicholas I) كتب أنّهُ “بعد الانتهاء من المهمة المجيدة [الحرب مع تركيا]، لدينا الآن مهمة أخرى، التي هي معقدة مثلها من حيث الفائدة المباشرة لنا وهي أكبر أهمية بكثير، وهي قمع كل الشعوب الجبليّة وتدمير العصاة “.

               نيقولا الأوّل لم يعش ليرى ذلك اليوم. وأعظم شاعر في روسيا، الكسندر بوشكين (Aleksandr Pushkin) في كتابه “رحلة إلى أرضروم” (Passage to Arzrum) وضع “المهمة” الروسية بشكل أكثر وضوحاً: “الشراكسة،” كما قال، “يكرهوننا. لقد دفعنا بهم للخروج من حقولهم المألوفة لهم، وقد أحرقت حقولهم (auls)، ودمرت قبائل بأكملها”.

               ونتيجة لذلك، أكمل الشاعر، “ليس هناك وسيلة على وجه التّقريب لتهدئة [الشركس] وحتى بعد أن يتم نزع سلاحهم كما تم نزع سلاح تتار القرم.

                في نهاية الحرب التي استمرت 101 عاماً، بلغ عدد الجيش الروسي في شمال القوقاز حوالي 300،000 من الرجال وكان يعاني خسائر سنوية قدرها 30،000. ويقول شموليفيتش، إن الدولة الروسية كانت تنفق سُدْس ميزانيتها على مهمة هزيمة الشركس وحلفائهم، وانها كانت مستعدة لتكون متوحّشة.

               “وفي سياق العمليات العسكرية”، كما يقول، “أحرق الجيش الروسي قرى مع سكانها في آن معاً”، وأنه “طبّق على نطاق واسع تكتيك مجاعة الرّعب [هولودومور] (holodomor) من خلال تدمير المحاصيل واحتياطي الطعام، والحكم على الجبليين بالجوع”. وليس آخراً، “اتخذت الحكومة القيصرية القرار بتطهير القوقاز تماماً من سكانه الأصليّين، الشركس، وتدمير شعب بأكمله جسدياً”.

               هؤلاء الّذين لا يمكن أن يدمروا بهذه الطريقة، قررت السلطات القيصرية، بأنّهُ يجب أن يطردوا خارج حدود الإمبراطوريّة. كما قال جنرال روسي، إن الدولة الروسية بحاجة إلى أراضي الشركس، ولكن لا يوجد لديها حاجة بالشعب الشركسي وهكذا لا بد من أن يقتلوا أو يطردوا.

               المؤرخون القيصريون لم تكن لديهم مشكلة في الحديث عن هذا الأمر وحول الخسائر الناتجة. وفقا لحسابات الحكومة الروسية في تلك الأوقات، قتل أكثر من 400،000 شركسي وأُجبر 497،000 على مغادرة الامبراطوريّة. من ما كان أمم أصليون في المنطقة بقي فيها أكثر من مليون، “حوالي 80،000” من الشركس.

               وهناك عدد كبير من الشركس الذين طردوا إلى الإمبراطورية العثمانية، كما يقول شموليفيتش، لم يصلوا إلى وجهتهم. فقط حوالي ثلث أولئك الذين وضعوا على السفن في سوتشي وصلوا ع إلى الجانب الآخر من البحر الأسود وهم على قيد الحياة. مات الباقون نتيجة للجوع، والمرض، والغرق.

               وكانت هذه حالة واضحة من الإبادة الجماعية، والتدمير الجسدي للشعب على أساس الهوية وحدها. للأسف، لا تزال السلطات الروسية تنكر أن أسلافها ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية وقد ذهبتوا إلى أبعد من ذلك عبر تقسيم الأمة الشركسية إلى خمسة أجزاء في خمسة مناطق إدارية مختلفة.

               الشّراكسة — وعددهم أكثر من 500،000 في شمال القوقاز وخمسة ملايين في الشتات — كما يشير شموليفيتش، “يناضلون من أجل الإتّحاد، ومن أجل الحق في العودة إلى الوطن الأم التاريخي، من أجل الحفاظ على ثقافتهم وذاكرتهم التاريخية ومن أجل  الإعتراف بأفظع الجرائم التي ارتكبت ضدهم — الإبادة الجماعية ومجاعة الرّعب”.

               ومن أجل مجموعة متنوعة من الأسباب، يكمل المحلل الاسرائيلي، “الشعب الأوكراني الذي عانى الكثير كما لا يمكن لأحد آخر بان يتعاطف ويتفهم بما يمس مأساة الشعب الشركسي الذي حرم من حقوقه في العودة إلى الوطن الأم، وحتى في الحق بالذاكرة التاريخية.

               ويقول أن هناك علاقات قديمة بين الأوكرانيين والشركس. في الواقع، لعب الشركس دورا رئيسيا في السلالات البشرية للأمة الأوكرانية. وهذا واضح من الموقع الجغرافي “شركسي” (Cherkassy)، ولكن هناك روابط أكثر بكثير بشأن ذلك.

               ويقول بأن، “العديد من المجموعات الشّركسيّة استقرت في أوكرانيا وأصبحت جزءا من الشعب الأوكراني”. جاء الشركس أولا إلى أوكرانيا في القرن التاسع كما هو مذكور في الوقائع التاريخية، وباعتبارهم من الناس الذين يتمتعون بتقاليد عسكرية منذ فترة طويلة حتى ذلك الحين، ساعدوا في تشكيل القوزاق في المنطقة.

               في سياق القرنين الرابع عشر والخامس عشر، كان هناك “عدة موجات من الهجرة الشركسية العسكرية” لأوكرانيا؛ وهي تستقر “تم استيعابها بالسكان السلافيين الذين كانوا في ازدياد مضطرد” كما هو مبين من خلال استخدام النهايات “—كو” (-ko) الذي يعني بالشركسية “ابن” وظهور أسماء أوكرانية من أصل شركسي مثل مازيبا (Mazepa).

               وفي الآونة الأخيرة، كان يمكن العثور على الشركس في صفوف جيش المحاربين الأوكراني (UPA) المقاوم لموسكو، كما يقول شموليفيتش. وطوّر الشّركس أيضاً “علاقات وثيقة جداً مع تتار القرم”.

               ويقول المحلل الإسرائيلي، أنّهُ في عام 2011، أصبحت جورجيا أول دولة تعترف رسميا بما فعله الروس بالشراكسة على انه إبادة جماعية. الآن، يجب أن يصبح الأوكرانيين ثانياً، ليس فقط لأسباب أخلاقية ولكن أيضا لتلك الأسباب العملية.

               ويشير الى أن، “دولة تقاوم عدوان خارجي تحتاج إلى العثور على أصدقاء جدد”، “ويمكن أن يصبح القوقاز حليفا لأوكرانيا ضد موسكو الإستعمارية”. ينبغي على البرلمان الأوكراني أن يعترف بهذا الواقع ويتبنى قرارا يعترف بالمعاملة الروسية للشركس باعتبارها إبادة جماعية.

               ويخلص إلى أنّ، “21 مايو/أيار”، “هو يوم حزن وذكرى ليس فقط للشعب الشركسي ولكن لجميع الشعوب التي أصبحت ضحايا الاستعمار الروسي المدمّر والذي لا يرحم، ضحايا للعدوان الروسي”.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.com/2016/05/russians-wont-admit-expulsion-of.html

Share Button