الجزيرة: روسيا والثورات العربية

عمر كوش

1_1084911_1_34
أظهرت المواقف الروسية حيال ثورات الربيع العربي ممانعة، بل وعداءً مبطناً أحياناً وسافراً في أحيان أخرى، الأمر الذي تترتب عليه قراءة الدور الروسي في المنطقة العربية، ومعرفة حيثياته ومحدداته وحدوده، والأسباب الكامنة وراء توجس روسيا من المتغيرات والتطورات التي حملتها الثورات والانتفاضات العربية، التي بدأت مع نهاية عام 2010 في تونس، وامتدت إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، وسواها من البلدان العربية.

وقد أثارت المواقف الروسية من المتغيرات العربية العديد من التساؤلات والنقاشات، في أوساط المثقفين والمحللين العرب والروس وسواهم، وتعرضت لانتقادات حادة في البلدان العربية، حيث استغرب كثيرون تصريحات المسؤولين الروس المشوبة بالريبة والحذر، سواء صدرت عن الكرملين أم عن الخارجية الروسية، لكونها لم تكُ مبنية على أسس منهجية أو ضوابط معينة، وتشير إلى أن القيادة الروسية الحاكمة تفضل الاستقرار في المنطقة العربية، والركون إلى الاستثمار الذي تقدمه تحالفاتها وعلاقاتها مع الأنظمة العربية المتقادمة، بالرغم من الإشارات الخجولة إلى مطالب الشعوب المحقة واحتجاجاتها السلمية، فيما يشير واقع الحال إلى تفاوت الاهتمام الروسي بالانتفاضات والثورات العربية.

وكان الموقف الروسي حيال ثورة 17 فبراير الليبية مشككاً وممانعاً، حيث أعلنت روسيا، في أكثر من مناسبة، معارضتها لأي قرار دولي حول ليبيا، وأعربت عن خشيتها من أن يؤدي أي تدخل عسكري في ليبيا إلى دخولها في أتون الحرب الأهلية، وحاولت منع صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الذي فرض منطقة حظر جوي على ليبيا، إضافة إلى فرضه عقوبات على نظام القذافي، فامتنعت عن التصويت لصالح القرار، لكنها لم تستطع منع صدوره، نظراً للإجماع الدولي عليه، ولكونه جاء تحت مبدأ التدخل الإنساني وحماية المدنيين.

ويتوقع الخبراء أن يصل حجم الخسائر الروسية في ليبيا إلى عشرة مليارات دولار، بالرغم من تطمينات المجلس الانتقالي الليبي تجاه العقود المبرمة في المرحلة السابقة. ولا شك في أن المصالح الروسية في سوريا كبيرة وهامة بالنسبة إلى روسيا، حيث تقدر مبيعات الأسلحة إلى سوريا بعدة مليارات من الدولارات. يضاف إلى ذلك عشرات المشاريع المشتركة التي تم الاتفاق والتعاقد بشأنها، وتقدّر قيمة عقودها بمليارات الدولارات.

والحاصل هو أن المواقف الروسية الرسمية -حيال ما يجري في المنطقة العربية- ما زالت محكومة بإرث مرحلة الحرب الباردة، وما يتمخض عنها من ردات فعل ضد المواقف الأوروبية والأطلسية، إضافة إلى حسابات الربح والخسارة الاقتصادية، والتخوف الروسي مما يمكن أن تقدمه التغييرات الجارية في بعض البلدان العربية من تهديدات للأنظمة التي تدخل في نطاق مجالها الحيوي، ومن ازدياد مساحات نفوذ الغرب الأوروبي والأطلسي، لكن حدود المواقف الروسية ضيقة، وتخضع في غالب الأحيان للمقايضات والمساومات، ولا يبرر كل ذلك تجاهل مطالب الثورات والانتفاضات المنادية بالحرية والكرامة والديمقراطية، وتحسين الأحوال المعيشية للقطاعات المحرومة والفقيرة من الشعوب العربية.

المصدر: الجزيرة

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/1EF61529-B86D-46E6-B03A-6F811C95EFE2.htm?GoogleStatID=1

Share Button