نافذة على أوراسيا: ترحيل ووفيات الشركس في عام 1864 مأساة ولكنها ليست إبادة جماعية، يقول تيشكوف

الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2014

نافذة على أوراسيا: ترحيل ووفيات الشركس في عام 1864 مأساة ولكنها ليست إبادة جماعية، يقول تيشكوف

بول  غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

10 فبراير/شباط 2014

            ستاونتون 4 فبراير/شباط – ثلاثة أيام قبل افتتاح الأولمبياد الشتوية في موقع طرد وموت الشراكسة قبل 150 عاما، يقر كبير المختصين في وصف الأعراق البشرية إن هذه كانت “مأساة شنيعة” في تاريخ الشركس ولكن لم يكن ذلك إبادة جماعية حسب المصطلحات الحديثة وهذه الدعوات إلى “عدالة تاريخية” لا يمكن أن تتحقّق.

            في مقال على صفحة موقع (Nazacent.ru) يوم أمس، الأكاديمي فاليري تيشكوف (Valery Tishkov)، مدير معهد وصف الأعراق البشرية (Ethnology) وعلم الإنسان (Anthropology) (Institute of Ethnology and Anthropology)، يقول انه لم يكن لدى السلطات القيصرية هدف إبادة الشركس لكن بالأحرى توطيد السيطرة الروسية على ساحل البحر الأسود (nazaccent.ru/column/26/).

            و يبيّن عالم وصف الأعراق البشرية المقيم في موسكو ان الشراكسة انفسهم والحكومة العثمانية ولمجموعة متنوعة من الأسباب،  بما فيها القضايا الاقتصادية والسياسية والدينية، سعت لترك ما أصبح جزءا من الإمبراطورية الروسية، وبالتالي تحديد مسؤولية السلطات الروسية على ما حصل.

            وعلى الرغم من ذلك  ما يقوله هو استحالة استعادة “العدالة التاريخية”، ويقول تيشكوف ان “القضيّة الشّركسيّة” يجري “تسييسها” واستخدامها، وخصوصا في وقت يسبق سوتشي، من قبل المهتمين في إضعاف روسيا وإثارة الصراعات العرقية والدّينيّة  في منطقة القوقاز “.

            منذ فانكوفر، ما يدعوه تيشكوف “القضية الشركسية” قد اجتذب اهتماما أكثر من أي وقت مضى سواء دوليا أو في شمال القوقاز، الوطن التاريخي للشعوب الشركسية. في الأيام القليلة الماضية وحدها، كانت هناك مقالات عنها ومظاهرات لتأييد الشركس في الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا والشرق الأوسط، وحتى في الصين واليابان.

            الأكاديمي تيشكوف وضع الأساس الفكري للرفض الروسي للحجج الشركسية بأن ما حدث في سوتشي في عام 1864 شكل إبادة جماعية وأن روسيا يجب أن تعترف بتلك الجريمة واستعادة العدالة التاريخية عبر السماح بعودة الشراكسة إلى منطقة وطنهم واستعادة جمهورية شركسية واحدة هناك.

            ويمثل مقال تيشكوف الجديد بالتالي محصلة لوجهات نظره ويوفّر بعض الأدلّة إلى الطرق التي من المرجح مواجهة الشركس بها وهم الذين حلّقت حركتهم الوطنيّة على مدى السنوات القليلة الماضية، خصوصا من أجل حرمان هذه الأمة من الدعم الذي تم الحصول عليه من بلدان أخرى.

            في مقال بعنوان “نتائج حرب القوقاز وإعادة توطين جبليي القوقاز”، يقول تيشكوف أن ما وقع قبل 150 عاما كان ثمرة معقّدة للحرب التي استمرت قرناً من الزمان بين الإمبراطورية الرّوسيّة وشعوب شمال القوقاز ذو الأغلبية المسلمة.

            للأسف، يضيف، تم تجاهل هذا التعقيد والمسائل ذات الصلة “تم تسييسها في كثير من الأحيان” لمجموعة متنوعة من الأهداف، بما في ذلك “تلك المناهضة لروسيا”.

            يبدأ تيشكوف مقالته بمناقشة “المهاجرين”، وهو المصطلح الّذي استخدمه الشركس وغيرهم من شمال القوقاز لوصف أنفسهم. هذه الكلمة، كما يقول، “لها أصل عربي (تشير الى إعادة التوطين، والهجرة، والنفي) ودلالة تاريخية – دينيّة إسلاميّة).

            في منتصف القرن التاسع عشر، هؤلاء الذين أجبروا في شمال القوقاز نتيجة لزحف القوات الروسية على مغادرة قراهم الأصلية ثم اعتمد القوقاز ككل هذا المصطلح من أجل ربط أنفسهم “مع أبطال صدر الإسلام” الذين فروا مع النبي محمد “من وثنية مكة المكرمة إلى يثرب، والّتي سميت مستقبلاً بالمدينة المنورة المسلمة”.

            عندما غزت القوات الروسية شمال القوقاز، يقول تيشكوف، فإنها تبنت سلسلة من السياسات الرامية إلى دمج المنطقة “في تنظيم الدّولة  للإمبراطورية الروسية. أصبح المبدأ الأساسي لِسياسة [بطرسبرغ] القوقازيّة المركزية وتوحيد المنطقة مع النظام القانوني والإداري لعموم روسيا”.

            بين الشركس، نمت فكرة الرحلة من روسيا من خلال تجاربهم السابقة بالفرار من بيوتهم عندما أخضعتهم القوات الروسية. بالتالي، يقول تيشكوف، كل من شارك في حروب القوقاز “استخدم الهجرة الجماعية للسكان من أجل أهداف سياسية، بما في ذلك الشركس أنفسهم”.

            في قول تيشكوف، “وجد الشركس أنفسهم أمام خيارين: إما أن يبقوا على الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية أو الانتقال إلى أراضٍ تركيّة”، و”مبادرة الهجرة الجماعية … غالبا ما جاءت من النخبة الشركسية” التي فقدت سطوتها مع إنهاء العبوديّة والزعماء المسلمين الذين “لم يريدوا البقاء تحت حكم قيصر أرثوذكسي”.

            تركيا أيضاً كانت مهتمة جداً في تعزيز الهجرة الشركسية من شمال القوقاز، وأصبحت حركة الهجرة “جزءاً من المنافسة الروسية – التركية المستمرة في الشرق الأدنى التي تفاقمت بسبب تصرفات القوى الغربية التي كانت تحاول إضعاف روسيا.

            واستخدم العثمانيون الوافدين الشركس لتعزيز حصة المسلمين في أجزاء من إمبراطوريتهم التي كانت بكثافة سكانية مسيحية، للانخراط في إجراءات عقابية ضد أولئك وغيرهم من شعوب الإمبراطورية التي سعت إلى الاستقلال، ولتعزيز قدرة خوض الحرب لجيشهم.

             لكن يقول تيشكوف، لم يعامل العثمانيون الوافدين الشركس دائما بشكل جيد وسعى العديد من الشركس للعودة إلى روسيا من ما كان قد أكّدَ لهم  بأنه “الجنّة التركية”. في نفس الوقت، كانت القوات الروسية متبهجة لرؤية المهاجرين يتركون لأن ذلك جعل إحكام السيطرة على شمال القوقاز أسهل.

             إن “الهجرة الجماعية ومستوى عالِ من الوفيات خلال [هذه العملية] مما لا شك فيه هو مأساة شنيعة في تاريخ الشعب الشركسي”، كما يقول تيشكوف. “ومع ذلك، بالكاد جعلت الحكومة القيصرية هدفها القضاء على الشركس. ” بدلا من، “مهمتها الرئيسية” التي كانت “الإحكام على ساحل البحر الأسود” ضمن “الحدود الجديدة للإمبراطورية”.

            إن إجراءات الجانب الروسي بالتالي، يضيف مختص وصف الأعراق البشرية في موسكو، “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتبر إبادة جماعية في المفهوم القانوني الدقيق” الّذي وضعته اتفاقية الإبادة الجماعية للأمم المتحدة لعام 1948 لأن السلطات الروسية “لم يكن لديها ولا يمكن أن تكون لديها نيّة إبادة شعوب القوقاز”.

            على الرغم من هذا التاريخ، يجادل تيشكوف، “الذاكرة التاريخية حول فكرة الجهاد تبقى قائمة في الشتات الشركسي في الخارج وفي غرب القوقاز”،  ويجري “استخدامه بفعالية لأغراض سياسية من قبل أولئك المعنيّين في إضعاف روسيا ولمفاقمة الصّراع العرقي والطائفيّ” في المنطقة.

            وعلاوة على ذلك، كما يقول، “فإن صيحات سياسي شعبي غير مسؤول والذي دأب على التدخل في الشؤون الداخلية للفيدراليّة الروسية من أجل استعادة “العدالة التاريخية” التي هي “من المستحيل تحقيقها” لأن الشراكسة في الخارج اندمجوا في المجتمعات التي يعيشون فيها وان القوقاز قد تغير كثيرا.

            الكثيرين من الذين يقرأون كلمات تيشكوف من المرجح أن يستنتجوا أنه لم تكن هناك إبادة جماعية، وإنن الشراكسة والأتراك والقوى الغربية هي مسئولة على قدر المساواة عما حدث وكذلك الروس، وأن أي سعي لتحقيق العدالة من قبل مجموعة يصفها تقريبا بشكل حصري في مصطلحات إسلامية لهو أمرٌ خطير.

            في عالم حيث يرى فيه الكثيرون التوازن بأنّه نفس الشيء كالموضوعية، فإن حجة تيشكوف سيتم استخدامها بالتأكيد في كل من روسيا والغرب حيث سوف يجد الكثيرون كلها أو جزء منها مُقْنِعاً أو على الأقل تبريراً لرفض المطالبات الشركسية أكثر قليلا من جزء من التحدي الاسلامي في حرب الحضارات. وفي الواقع، قد يصبح سرد تيشكوف مهيمناً.

            ولكن الشراكسة، ومؤيديهم والعديد من طلاب تاريخ القوقاز يعرفون أنه كان من الممكن أن لا يكون هناك هجرة ولا حالات وفاة بالجملة لو لم يكن هناك عدوان روسي ضد أمتهم في المقام الأول، وإنه من غير المرجح أن يكونوا مطمئنين للفكرة التي تفيد أن القوات الروسية أرادت فقط توطيد الهدوء في أراضيها بدلا من طردهم أو قتلهم.

            وبالتالي، فإن الحجة الّتي يسوقها تيشكوف قد تعطي موسكو بعض المزايا المؤقتة – نظرا لقرب افتتاح أولمبياد سوتشي، اوقد يكون ضمن كل ذلك أن البعض في موسكو يهتمون بها – ولكنها تفعل ذلك فقط على حساب تفاقم الانقسامات التي يقول عنها مختص وصف الأعراق البشرية في موسكو بأنها خطأ الآخرين.

 المصدر:

 http://windowoneurasia2.blogspot.com/2014/02/window-on-eurasia-expulsion-and-deaths.html

Share Button