روسيا تكرر الأخطاء القديمة وتعرض علامات الدولة الفاشلة

روسيا تكرر الأخطاء القديمة وتعرض علامات الدولة الفاشلة

الأربعاء 10 كانون الأول / ديسمبر 2014

روسيا تحن إلى امبراطوريتها التي لم تتمكن من الصمود - المصدر
روسيا تحن إلى امبراطوريتها التي لم تتمكن من الصمود – المصدر

إيفان سوخوف* —  (موسكو تايمز) 3 / 12 / 2014

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

في كل مساء، يتابع المواطنون الروس عبر التلفاز تقرير المتنبئ في عرض أحوال الطقس عن درجة الحرارة في مدينتي القرم: سيمفيربول ويالطا. وتتوالى الكلمات مثل بلسم الشفاء لأرواح الناس الذين خبروا انهيار الاتحاد السوفياتي كمأساة شخصية، والذين يستعيدون الروح لدى رؤية الإمبراطورية القديمة وهي تعيد جمع الأراضي التي تعود لها عن وجه حق.

ترمز القرم إلى الانتقام –بالمعنى السياسي والسلبي السوفياتي للكلمة. وثمة الكلمة الأكثر دقة “استعادة” -استعادة الدولة وحقوقها التي يُزعم أنها قد انتهكت.

ظلت كلمة “استعادة” محوراً للموسوعة السياسية الروسية منذ أوائل التسعينيات (من القرن الماضي) وانهيار الاتحاد السوفياتي. ومع استعادة القاعات الرسمية للكرملين، واستعادة الملابس العسكرية والعلم وإلغاء النشيد الوطني السوفياتي، استعاد أول رئيس لروسيا، بوريس يلتسين، على نحو رمزي، الإمبراطورية الروسية.

عبر التأكيد مجدداً على السلام الوطني السوفياتي وفرض السلطة عمودياً، ومنح أهمية اجتماعية وسياسية أكبر لبنى الحرس القديم -وبشكل خاص البوليس السري- وإعادة طرح القرم في نشرات الطقس اليومية للبلاد، أعاد خلف يلتسين، فلاديمير بوتين، وعلى نحو رمزي، الاتحاد السوفياتي. مع ذلك، يميل المدافعون عن الاستعادة إلى إغفال نقطة مهمة: لقد انتهت كل من الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي إلى الفشل والانهيار -الأولى في العام 1917 والثاني بعد أقل من قرن لاحقاً في العام 1991.

قد يعتقد المرء بأن حالتي الفشل هاتين ستلهمان السعي للبحث عن مبدأ أساسي جديد، والذي يستطيع أخذ روسيا إلى المستقبل من دون تكرار أخطائها وانهيارها الماضيين. وبعد كل شيء، فإنها حتى ما تبدو على أنها هياكل اجتماعية قوية شكلت أسس الإمبراطورية الروسية، ولاحقاً الثكنات المجتمعية التي عرفت باسم الاتحاد السوفياتي، تبين أن لها فترات عمر محدودة. وإذا أعيد إنشاؤها، فإن المطاف سينتهي بتلك الهياكل إلى الإنهيار مرة أخرى.

لكن البحث عن مبدأ جديد لم ينته إلى غير نجاح، لأنه لم يكن قد بدأ في الحقيقة أبداً. فمن الممنوع فحص، والأقل بكثير انتقاد الأسباب التي أفضت إلى كلا الانهيارين في الوقت الذي تتبنى فيه الحكومة وتحمي ماضي البلد، كواحد من أكثر مواردها الحيوية.

لتقدير أن هذه العملية لم تبدأ بالحظر العبثي على “تزييف التاريخ” أو “التدوين التاريخي الجديد” اللذين يرفع لواءهما وزير الثقافة، فلاديميرميدينسكي، يمكنكم الإطلاع على مقدمة الدستور الروسي الذي صاغته لجنة تحت حم يلتسين، وتم تبنيه بتصويت شعبي يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) من العام 1993. وهو يتحدث عن “وحدة دولة مؤسسة تاريخياً”، “وتوقير ذكرى الأسلاف الذين مرروا إلينا حب الأرض الأم”، “وبعث الدولة السيادية لروسيا”.

والآن، فلننس تلك الطرق المفرطة للحظة. فيوم 19 تشرين الثاني (نوفمبر)، تجمعت قوة مهمات للجنة استقصائية مع شرطة مكافحة الشغب في محاولة لاعتقال مواطن، والذي زعم أنه انخرط في السحب الجنائي لمبلغ ضخم من المال. ولا يحظى اسم الشخص بنفس أهمية الحقيقة التي تشير إلى أن الشرطة نفذت العملية في وسط موسكو في رابعة النهار، على خلفية مستوى غير مسبوق من الإثارة حول حول إحياء الدولة الروسية.

كانت عملية الشرطة فشلاً تاما. فقد منعت عدة عشرات من الأشخاص الذين كانوا يشهرون أسلحة من دون شارات أو سلطة رسمية، منعت الضباط من تنفيذ مهمتهم. وراوغ المشكوك فيه الرئيسي الشرطة، وهو متوار الآن في منطقة أخرى من روسيا، ويبعث رسائل بين الفينة والأخرى بواسطة محاميه لتضليل اللجنة الاستقصائية. وقد أزيح المحقق الرئيسي عن القضية ثم ما لبث أن استقال من منصبه.

لفهم الظروف بشكل أفضل، فلاحظ أن الشخص الذي كانت الشرطة تبحث عنه هو رمضان تسيتورييف، الذي كان الزعيم الشيشاني رمضان قاديروف قد سماه قبل عام مبعوثاً للجمهورية في أوكرانيا. وكان الرجال الذين أحبطوا عملية الشرطة شيشانيين، كما أن المنطقة التي توارى فيها تسيتولاييف، والتي سخر منها من الشرطة في موسكو، هي الشيشان بالطبع. 

هذه هي نفس الجمهورية التي بدأت منها موسكو عملياتها قبل عشرين عاماً “لاستعادة النظام الدستوري”. وقد أفضى ذلك إلى اندلاع حرب مطولة ودموية، والتي شارك فيها، وفق كل الترجيحات، جزء من قوات شرطة مكافحة الشغب التي حاولت اعتقال تسيتسولاييف، بالإضافة إلى بعض الرجال الذين حاولوا صدهم.

وأثبتت الشرطة أنها غير عاملة تماماً في هذه الحالة، مما أوحى بأن روسيا -مثل الصومال أو أي بلد آخر “شاذ غريب الأطوار”- تظهر علامات الدولة الفاشلة.

 وولد تطور آخر قبل أسبوعين حجماً كبيراً من النشاط على شبكات التواصل الاجتماعي في موسكو وشمال القوقاز. فمباشرة في الشارع، يوم 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اعتقلت الشرطة وساقت إلى المعتقل محمد علييف، المواطن الشاب من داغستان الذي جاء لزيارة شقيقته.

وكانت الشقيقة قد أصيبت أيضاً في الحادث، واقتيدت إلى شرطة موسكو، لكنهم لم يستطيعوا فعل أي شيء بخصوص الرجال في الملابس المدنية الذين دهموا شقة المرأة الشابة من دون إبراز أي وثائق تعريفية أو مذكرة توقيف.

ويوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر)، عاد علييف للظهور أمام مركز اعتقال في ستافروبول، المركز الإقليمي ونوع من النقطة الأمامية للسلطات الفيدرالية في شمال القوقاز. وعولج علييف على عجل يوم 26 تشرين الثاني بعد ضربه مراراً، وقد وخزه أحدهم بقلم في عينه كما قال محاميه. ولا يبدي الأطباء، في الأثناء، تطمينات حول ما إذا كان علييف سيعيش أم لا.

بغض النظر عن أي جريمة قد يكون الشاب قد ارتكبها، فإن ممارسات الحرس القديم تفوق بكثير حدود الإجراء القانوني. ولو أن أحداً غير هؤلاء انخرط في الموضوع، لما كان قد آل المطاف بعلييف إلى مركز اعتقال. وتشبه هذه الممارسات الطرق الثورية لإرهاب البلشفيين. فعندما حدثت هذه الأشياء في شمال القوقاز، لم يلحظها أحد باستثناء المحامين ونشطاء حقوق الإنسان. لكن تصدير هذه الممارسات إلى ما وراء تلك المنطقة يذكّر على نحو متزايد بأسوأ الأوقات الستالينية.

 قد يبدو الإرهاب الستاليني والدولة الفاشلة عند نهايتين متعاكستين من الطيف. لكن الإرهاب، بالتعريف، هو عمل يتجاوز حكم القانون، وهكذا يشير إلى فشل الدولة -بغض النظر عن مدى فرض وجه الحزب الواحد لتلك الدولة.

بطريقة أو أخرى، يعتبر الزعيم السوفياتي السابق جوزيف ستالين نقطة تركيز للعديد من أفكار القادة الحاليين فيما يخص “الاستعادة”. وهم يحبون الرجوع إلى مقتطفات نسبت خطأ إلى وينستون تشرتشل -تحديداً أن “ستالين جاء إلى السلطة عندما كان لدى روسيا محراث خشبي وحسب، وتركها وقد حازت على أسلحة نووية”.

هكذا يحدث أن العالم لم يكن قد اضطر أبداً إلى التكيف مع دولة فاشلة تتوافر على ترسانة نووية ضخمة لدرجة كافية تمكنها من تدمير البشرية عدة مرات. وكان العالم قد استطاع بالكاد تجنب هذا التهديد في العام 1991، وإنما فقط مع بعض الدبلوماسية المكثفة، وعبر إنفاق أموال كبيرة والكثير من قضم الأظافر.

الآن يبدو أن المعجبين الروس بـ”الاستعادة” يحبون رؤية إعادة لتلك الأوقات. وبالرغم من التأكيدات الطائشة من وزارة الدفاع على أن هيكل القيادة والسيطرة للترسانة النووية للبلد قد تم تحديثهما بشكل كامل، فإنه ليس ثمة ضمان بأن الفصل النهائي لهذه الدراما السوداء سينتهي سلمياً كما كان قد بدأ أول مرة.

 *صحفي غطى الصراعات في روسيا واتحاد الجمهوريات السوفياتية السابقة في السنوات الخمس عشرة الماضية.

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:Russia Is Repeating Old Mistakes

abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

abdrahamanalhuseini@

http://www.alghad.com/articles/841493-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D9%83%D8%B1%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B4%D9%84%D8%A9?s=ecf7d2eff05609f183e3ca30307038bb

Share Button