مائة وإحدى وخمسون عاماً بعد الإبادة الجماعية الشركسية والإبعاد القسري

151 عاماً بعد الإبادة الجماعية الشركسية والإبعاد القسري 

بقلم: عادل بشقوي

21 مايو/أيار 2015

IMG_8861

مقدمة

التاريخ هو سجل لسلسلة من الأحداث الماضية التي تتعلق بالأفراد والأمم. وتجري دراسة وتقييم ومعالجة الحقائق والأحداث التاريخية لخطط وتوجيهات للخطوات الواجب اتخاذها من قبل أولئك الذين يدركون المسؤولية الإنسانية في الاستمرارية والمثابرة من أجل التغيير الإيجابي في المجتمع في الحاضر والمستقبل، وهذا يتوقف على عواقب الأخطار التي أثرت على الحياة والتقدم والنهوض بواقع المجتمع والأمة.

وقد جرت تطورات إيجابية وسلبية عديدة خلال العام الذي مضى، حيث أن إحياء الذّكرى السنوي ليوم 21 مايو/أيار لهذا العام يذكر مرة أخرى بالكارثة الشركسية الكبرى التي حلت بالأمة الشركسية ويذكر بالألم والكارثة اللذان عانى منها الشعب الشركسي الذي دافع عن وطن، وهوية، وكيان الشركس، وعن بقائهم عندما اضطر الشّركس إلى خوض حرب دفاعية شرسة ضد المستبدّين الروس الغزاة ولمدة طالت 101 سنة، وشملت احتلالاً كاملاً وارتكاب الروس إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً وتدميراً، ومن ثم تبعها تهجير 90 ٪ من الشعب الذي يمكن وصفه بنزوح قسري كبير نحو المنفى في الإمبراطورية العثمانية، ثم تفرقوا في أكثر من 30 دولة في عالم اليوم.

التطورات فرضت نفسها على الساحة الدولية

على ما يبدو، فإن الإمبريالية الروسية لم تستطع إخفاء صفاتها الحقيقية، إلا لتظهر استمرار الممارسات الإمبريالية السابقة، من أجل إظهار وجهها الحقيقي في القرن الحادي والعشرين عن طريق احتلال وضم شبه جزيرة القرم، وأجزاء من شرق أوكرانيا مستأنفة زعزعة الاستقرار والتدخل بغيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة. ما يحدث في جنوب شرق أوكرانيا في الوقت الراهن يشير إلى عدم المسؤولية بالإضافة إلى عدم الاهتمام واللامبالاة في احترام القانون الدولي وحق كل الدول للحفاظ على حريتها واستقلالها. كل ذلك يذكر بالأمة الشركسية التي رغبت في العيش بحرية دون أي تدخل أجنبي أو وصاية إستعماريّة. لكنها ووجهت بحرب مدمرة أتت على الأخضر واليابس، والتي قتلت نصف العدد الإجمالي من الشركس وهجّرت الغالبية العظمى من الباقي إلى الإمبراطورية العثمانية.

وبدت القضية الأرمنية ملحّة في الذكرى المئوية على المآسي التي وقعت في عام 1915، خلال العهد العثماني، حيث قام البرلمان الأوروبي “بحث تركيا على الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية” (http://www.nytimes.com/2015/04/16/world/europe/european-parliament-urges-turkey-to-recognize-armenian-genocide.html)، في حين تتجه العديد من الدّول نحو الاعتراف بواقع “الإبادة الجماعية الأرمنية” التي تنمو ككرة ثلج.

الإبادة الجماعية الشركسية هي القضية الرئيسية

الإبادة الجماعية الشركسية هي مسألة التركيز التي تحتاج إلى حل، وبالتالي يجب أن تتحمّل الدولة الروسية مسؤوليّة كافّة العواقب، حيث أن جريمة الإبادة الجماعية ضد الشراكسة توافقت مع “اثنين من العناصر وهي: النية والعمل” ويقول التعريف: “وتعتبر جريمة سواء عند التخطيط أو التحريض على الإبادة الجماعية، حتى قبل أن يبدأ القتل، والمساعدة أو التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية” (http://www.preventgenocide.org/genocide/officialtext.htm)، ويجب على الآخرين أن يعترفوا بحقوق الشركس (HTTP : //legal.un.org/avl/ha/cppcg/cppcg.html)، ويجب الحصول من الدولة الروسية على الإعتذار والتعويض العادل والحق في العودة إلى الوطن وفقا لبرنامج حماية دولية واستعادة الحقوق المشروعة، بما في ذلك الحق في تقرير المصير على أرض الوطن.

وإحياء الذّكرى يذكرنا هذا الشهر باعتراف البرلمان الجورجي بالإبادة الجماعية الشركسية في 20 مايو/أيار 2011 (http://www.nytimes.com/2011/05/21/world/europe/21georgia.html?_r=0)، الذي أظهر أول دولة عضوا في الأمم المتحدة تجري دراسة أكاديمية عن التاريخ الإقليمي والشركسي قام بها باحثين ومتخصصين بناء على طلب من اللجان ذات الإختصاص في برلمان جورجيا التي توصّلت إلى الحقيقة المرة والبشعة لوقوع جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري التي ارتكبت ضد الأمة الشركسية بأكملها. على صعيد ذي صلة، إنه من الواجب واللائق أن نشكر أيضا الجورجيين الذين أقاموا نصبا تذكاريا في أناكليا على البحر الأسود (http://www.civil.ge/eng/article.php?id=24790) وافتتح في الحادي والعشرين من مايو/أيار 2012 لتخليد ذكرى الضحايا الشركس.

الأنشطة والجهود الإيجابية

أظهر الشركس وأثبتوا الإصرار على تأكيد بقائهم واستمراريتهم من أجل أن يكونوا أمة محترمة وكريمة، ومن أجل الحفاظ على مكانتهم كأمة متحضّرة ومحترمة، فإنه يجب مراعاة واستعادة الحقوق المغتصبة والمصادرة، وفقا للمعلومات الموثقة وذلك اعتمادا على اتصالات وعلاقات طيبة مع الشعوب والدول الصديقة لاستعادة الحقوق وفقا للقرارات واللوائح الدولية ذات الصلة:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (http://www.un.org/ar/documents/udhr/)، الذي تنص الفقرة الأولى من ديباجته على: “لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”.

إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (https://www1.umn.edu/humanrts/arabic/UN-Declaration-Indigenous.html)، وتنص إحدى فقراته:  {رحبت “الدول باعتماد إعلان الأمم المتحدة بما يتعلق بحقوق الشعوب الأصلية مما كان له أثر إيجابي على حماية الضحايا {لحث الدول على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ حقوق الشعوب الأصلية وفقا للصكوك الدولية لحقوق الإنسان ومن دون تمييز …“}.

إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (http://www.un.org/ar/decolonization/declaration.shtml)، حيث تنص الفقرة الثانية من الإعلان على ما يلي: “وإدراكاً منها بضرورة خلق ظروف الإستقرار والرفاة والعلاقات السلمية والودية على إساس إحترام مبادئ المساواة في الحقوق وتقرير المصير لكل الشعوب، والإحترام العالمي إلى، ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين،”

القانون الدولي، وتنص الفقرة الثانية (http://www.un.org/en/globalissues/internationallaw/) من النظرة العامة: “يحدد القانون الدولي المسؤوليات القانونية للدول في سلوكها مع بعضها البعض، وتعاملها مع الأفراد داخل حدود الدولة. ويشمل نطاقها مجموعة واسعة من القضايا ذات الاهتمام الدولي مثل حقوق الإنسان، ونزع السلاح، والجريمة الدولية واللاجئين والهجرة ومشاكل الجنسية، ومعاملة السجناء، واستخدام القوة، وإدارة الحرب، وغيرها من الأمور. كما ينظم المشاعات العالمية، مثل البيئة، والتنمية المستدامة، والمياه الدولية، والفضاء الخارجي، والاتصالات العالمية والتجارة الدّوليّة”.

إضفاء الطابع المؤسسي على الغزو الفكري

ومن الاخطار التي يواجهها الشركس، الدعاية المعادية المخطّط لها، والتي يقوم بها الجانب نفسه الذي أراد ولا يزال في وضع من الإنكار لحقوق الشركس المقدسة في وطنهم، من خلال استخدام تقنيات وأدوات مختلفة. وينعكس القصد في الوطن والشتات وفقا لأسلوب منهجي فعال ومن أجل تحويل أنظار واهتمامات الشركس لتوجيهها إلى مسائل غير ذات أهمية. لكن الاستمرارية والمثابرة للأمة الشركسية تطلبتا التأكيد على بقائها من خلال التعبير عن الإهتمامات المصيرية في الحاضر وفي المستقبل. وذلك يربط بقول رولاند ريغان: “نحافظ على السلام من خلال قوتنا؛ الضعف يغري بالعدوان”.

يجب على الشركس أن يأخذوا ذلك من بعده الإيجابي بأن يكونوا حازمين بمطالباتهم، ساعين إلى أن يُعترف بهم من خلال الحفاظ على الثقة بالنفس، والسعي للمطالبة بحقوقهم المشروعة وفقا للأساليب والوسائل القانونية والمشروعة. وينبغي مراعاة ذلك عبر الحفاظ على الامتنان لأسلافهم، والتحدث عن الفظائع التي واجهتها ولا زالت تواجهها أمتهم، والتنسيق بين جميع الشراكسة في العالم، والتعاون بين جميع الجمعيات الناشطة المخلصة للتركيز على المساهمة لتلبية احتياجات الناس ضمن هيكل عمل جماعي في كل المجالات يساهم في تعزيز الوسائل اللازمة للعمل مثل وسائل الإعلام.

الشركس ومن أجل تأكيد وجودهم واستمراريتهم وإصرارهم، يجب عليهم أن يعارضوا ويرفضوا أسلوب فرض مفاهيم هيمنة الاحتلال والأمر الواقع التي تهدف إلى إفساد جهود الشركس في الحفاظ على هويتهم الوطنية في أماكن تواجدهم. كما يجب عليهم توجيه إهتمامهم إلى ما يعنيهم، وإلى تجنب تشويه صورتهم من خلال الاعتماد على أفراد و/أو هياكل تتصرف وفقا لنهجٍ يتسم بالانبطاحيّة والخنوع، ويعملون عبر التملق “كمتسلقين إجتماعيّين”، وانتهازيين أو طامعين، ويحاولون توريط الشركس في حالة ضعف غير مرغوب فيه ولا يحسدون عليه، الذي من شأنه أن يؤثر عليهم في الحاضر والمستقبل.

الخلاصة

بعد كل النتائج المروعة والكارثية التي أفسدت المشهد الشركسي، هناك دائما أمل بأن هناك ما يستحق لأن يكافح المرء ويسعى من أجله، ويمكن رؤية النجوم الساطعة في الليالي المظلمة. شركيسيا هي وطن الشراكسة، ولا أحد قادر على تغيير هذا الواقع.

Share Button